الشّعر الحر في الجزائر رؤية تأريخية بنيوية / الباحثة : ليندا كدير*
بواسطة مسارب بتاريخ 29 يوليو, 2013 في 07:33 مساء | مصنفة في حفريات | 6 تعليقات عدد المشاهدات : 89460.

 

 

مقـــــدمة:

كان الأدب الجزائري ولا يزال معطاءً ،يزخر بمختلف الأجناس الأدبية .يسعى دائما ليسوق أي حدث يطرأ على الساحة الأدبية،العالمية.وهذا مردّه إلى موقع الجزائر الاستراتيجي،إذ تطل على الدول الفرونكفونية ، وتنتمي إلى القومية العربية .مما خلق لديها توليفة ذات نكهة خاصة .فراح الأدباء الجزائريين يقطفون من هذا التثاقف بالتفاعل مع الآخر ثمرات مميزة،زينت الأدب الجزائري وساهمت في تبلوره حتى ذاع صيته، يمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر روايات “مولود فرعون” نذكر منها رواية “ابن الفقير” ،التي ترجمت لعدة لغات وتدرس خصائصها الفنية في أشهر الجامعات العالمية ، بالإضافة إلى روايات ” كاتب ياسين ” أبرزها رواية ” نجمة ” . للشعر عامة  والشعر الحر خاصة نصيب من الشهرة ، إذ لا تخفى أهميته ، فهو أيضا ساهم في تحريك عجلة الأدب الجزائري والأدب العالمي .، بتبليغ قضاياه للعالم أجمع ، كقصيدة ” اللعنة الحمراء ” لأبي القاسم خمار ” ، التي ترجمت إلى اللغة المقدونية ، و ألقيت في مهرجان الشعر العالمي ” بيوغوسلافيا ” في أوت 1977 . ظلت إلى يومنا هذا الأعمال الأدبية الجزائرية ، سفيرة الثقافة الجزائرية ، على يد أعلامها ” كواسيني  الأعرج ” ، ” أزراج عمر” وغيرهما . هذا ما أعطى الحافز لعدة باحثين و نقاد اللجوء إلى الأدب الجزائري ، والإنكباب على دراسته .

لا تخفى علينا أهمية الثورة التحريرية ، التي أجبرت فرنسا على الرضوخ و تم طردها من أرض المليون و نصف المليون شهيد ، و التي كانت من أعظم الدول و أقواها عسكريا و اقتصاديا . بتعاضد شرائح المجتمع الجزائري ، حيث شهد التاريخ مشاركة الصغير قبل الكبير، في الثورة المقدسة 1954 ، إذ التحمت أيدي الرجال بالنساء وبالأطفال، أميين كانوا أو مثقفين ، رغم قلتهم و تواجد بعضهم في الخارج  ، و هذا الأمر لم يجعلهم يتأخرون في مساندة المجاهدين الأحرار ، لا بالسلاح لكن بالكلمة على شكل قصائد حرة فحمل الشعراء لواء الحرية في عباءة الشعر الحر . و انقلاب الموازين على الصعيد السياسي كان أيضا انقلابا على المعايير الشعرية . فما الأدب و الشعر إلا انعكاس للواقع ، فالأديب ابن بيئته و مجتمعه ، و كذلك مسايرة الجديد مما يحدث في المشرق من تطور في الحركة الشعرية ،يتجلى ذلك في ما جاءت به ” نازك الملائكة ” بتنظيرها للشعر الحر ، فالشاعر الجزائري بموقفه هذا و كأنّه ضرب عصفورين بحجر واحد ، و هذا ينم عن مدى الوعي لديهم .

الشعر الحر الجزائري في بواكره الأولى،عبارة عن الأرض الخصبة التي رعت و بلورت الحركة الشعرية بعد الاستقلال إذ شهدت نموا و تطورا .وما القصائد الأولى الحرة إلا براعم يانعات نشأت في زمن الشتات وجابهت بعباراتها الحماسية المستعمر الفرنسي ،الذي حاول بشتى الطرق طمس الهوية الجزائرية و تدنيس أرضها المقدسة في جو كان يحرم على هذا الشاعر حقه الشرعي و البسيط ألا و هو حرية التعبير. رغم الغربة و الأعداء استطاع الشاعر الجزائري أن يبدع و يضع بصمته في هذا النمط الشعري الحديث ،فأبوا إلا أن يلحقوا بالعجلة الأدبية لكي لا يتخلف الأدب الجزائري عن باقي آداب الأمم الأخرى.

وقع اختيارنا على حركة الشعر الحر (فترة الثورة 1954 -1960 ) ،إذ ارتأيناه أن يكون موضوع مقالتنا لما لهذه الفترة من أهمية باعتبارها الشرارة الأولى التي مهدت لنضوج هذه الحركة فيما بعد وتستمر لغاية اليوم .لم يكن هذا الاجتباء لموضوعنا اعتباطيا بل لحاجة في نفس يعقوب ،إذ هذه الفترة للحركة الشعرية أٌهملت من طرف باحثين كثر،إلا القلة الذين تناولوها بالبحث و الرصد مقارنة بالدراسات التي اهتمت بالنتاج الروائي الجزائري منذ بداياته الأولى،فلم يستوف موضوع بحثنا حقه من الدراسات الأدبية .إن الحافز الذي حفّزنا وشحذ همتنا لنتطرق لهذا الموضوع رغم اتساعه وصعوبة حصره من جميع النواحي ،هو شدة شغفنا لمعرفة كيف وصل شعاع حركة الشعر الحر إلى الجزائر هذا من جهة .وبرغبة ملحة منا أردنا أن نكشف أو بالأحرى أن نفضح ما فعلت فرنسا المحتلة بأجدادنا العزل،من خلال شعر رواد الشعر الحر . باعتبار قصائد تلك الفترة حرة التي يفضي الشاعر من خلالها بما في قريحته من قضايا تشغله و يصور بحرية ما كان يحياه الشعب الجزائري من ظلم ،إن لم يكن تعبيرا مباشرا فتلميحا وهذا من جهة أخرى.

انطلقنا في بحثنا من إشكالية مفادها :هل استطاع الشعر الجزائري إبان الثورة أن يُحدث ثورة على صعيد المعايير التقليدية ،التي تحكم القصيدة العربية كما في المشرق؟ وهل تمكن رواد الشعر الحر من تحقيق وتطبيق الأسس التي صاغها رواد الشعر الحر في المشرق ومنظّريه ؟من تجاوٍز للدال العروضي بمفهومه التقليدي وتنويع في القافية و توظيف للرمز أو استخدام صورا شعرية تعبر عن لسان حالهم . بطريقة أخرى هل واكبت حركة الشعر الحر في الجزائر- في بداياتها- حركة الشعر الحر في المشرق أم أنها مجرد إرهاصات ؟. استهلنا مقالتنا برصد الوضع العام في الجزائر، بعده ذلك عمدنا إلى دراسة الشعر الجزائر قبل الثورة، ثم تطرقنا إلى حركة الشعر الحر في الجزائر دائما بين 1954و1960.

 

1 - الوضع العام في الجزائر بين : 1945-1954

تميّز الوضع العام في الجزائر بعد 1945 با ستمرار السياسة الإستعمارية التعسفية ،اجتماعيا واقتصاديا واستمرار القمع والقوانين الزجرية ، بتجاهل كافة المطالب الوطنية بمختلف اتجاهاتها من تحقيق التقدم من الناحية السياسية من جهة ، ففي هذا الصدد يقول صالح خرفي : ” وتنقضي سنوات الحرب العالمية الثانية لتخرج الجزائر مثخنة الجراح ، طعينة المشاعر ، جامحة المطامح … ويحاول الشعب أن يسري عن مأساته ،و يعبر عن مطامحه ، في مظاهرات سليمة في (ماي 1945) .لكن المستعمر يبيت للمظاهرة ما يجعلها امتدادا لأيّام الحرب الدّامية ، ففتك بعشرات الآلاف من صفوة الشعب … كانت حوادث ماي المفجعة نقطة تحوّل في حياة الجزائر “(1).

أ- الوضع السياسي:

لقد كانت أحداث 08 ماي 1945 منعرجا حاسما في علاقة الجزائريين بفرنسا ،  و فتحت هوّة لا يمكن ردمها بين الشعب و الإدارة الفرنسية، لكون المجزرة التي تمخضت عنها أعدمت كل أفكار الإدماج والتعايش ،كما أنّ  حل الأحزاب السيسية ،و التضييق على قياداتها أوجد قناعة بعدم جدوى النضال السياسي  وضرورة الكفاح المسلّح . وبالتالي فهذه المجازر شكلت أرضية صلبة للعمل الثوري .

قامت فرنسا بالسماح بتأسيس الأحزاب السياسية إرضاءً للضمير العالمي ،كما أصدرت عفوا عاما عن بعض المعاقبين في مارس 1946 ، تخوّفا مما قد يدبّر عليها في الخفاء . وباشرت إصلاحات شكلية   أهمّها قانون الجزائر : ” دستور الجزائر ” و ” المجلس الجزائري ” سنة1947 ، اللذين ليس لهما من صفة الجزائرية  سوى اللفظ .

قد حاولت الاتجاهات الوطنية تحويل هذه الصفة إلى مسحة من الواقعية ، لكنّها اصطدمت بالتزوير والتزييف ، اللذين اشتهرت بهما الإنتخابات الفرنسية بالجزائر ، وهذا ما دعا الجزائريين إلى التوجه نحو العمل السري ،” كانت هذه المبادرة من حزب الإنتصار للحريّات الديمقراطية الذي عقد مؤتمره في فبراير 1947 ، و قرّر تأسيس المنظمة العسكرية السرّية ليتدرّب أعضاؤها على حمل السلاح بعيدا عن عيون السلطة الإستعمارية “.(2). فقد بلغ الوعي السياسي أوجه في السنوات الأخيرة من العقد الخامس ، لكن كان من واجب الخلافات و الخصومات بين الأحزاب السياسية أن تشل الحركة الوطنية ،وأن تعيق مسارها .

في عام 1951 لاحت بادرة أمل في الأفق و أشرقت شمس التغيير ، وتشكّلت الجبهة الجزائرية للدّفاع عن الحرّيات واحترامها ( من جمعية العلماء المسلمين ) ، وحركة الانتصار ،والإتحاد الديمقراطي والحزب الشيوعي ، وجماعة الأحرار المستقلّين . فقامت بعقد مؤتمر عام 1951 ، أدّى إلى ظهور خلافات بين العناصر الرئيسية بخصوص المبادئ وطريقة تنظيم العمل من أجل استقلال الجزائر ، وحينذاك شرع بعض أعضاء حركة الانتصار للحريّات الديموقراطية  فعلا في تشكيل قوّة عسكرية سريّة أسموها  ” المنظمة الخاصة ” ، كان من بين أعضائها ” أحمد بن بيلا ” ، ” حسين أيت أحمد ” و ” محمد خيضر “.  أخذت في جمع السلاح وقامت ببعض العمليات ، و قد نجح فريق من الشبّان في السيطرة على اللجنة المركزية للحركة في الدّعوة لمؤتمر في صيف 1956 ببلجيكا ، دون اشتراك زعيمها “مصالي الحاج “. دعت إلى تحديد المبادئ السياسية للحرب ، بما فيها تنظيم دقيق لمراحل الكفاح من أجل الاستقلال التي ستنتهي بالثورة المسلحة .

شهد الجزائريون كيف بدأ الكفاح المسلّح في تونس و المغرب يعطي ثماره ، وكيف اندحرت فرنسا في الهند الصينية ، رأوا كيف حققت ثورة وطنية آسيوية نصرا كاسحا على الاستعمار الفرنسي ، فتحرّكت نفوسهم بالقياّم بالثورة لاسترجاع ما سلب منهم ، في هذا الصدد يقول شلتاغ عبود  ” نظرا لتطوّر الأحداث في تونس و المغرب واندحار فرنسا في الهند الصينية ،فقد كانت هناك ضرورة ملحة لحسم الموقف لصالح الوطن ومستقبله فكان أن تشكّلت لجنة ثالثة سميت بـ (اللجنة الثورية للإتحاد  والعمل)، تلك الكتلة  التي حاولت التوفيق بين الجماعتين ، ولما أعياها الأمر،عقدت اجتماعها الذي عرف باجتماع الاثنين وعشرين شخصا ، وقررت تكوين جبهة التحرير الوطني ، و إعلان الثورة في الأوّل من نوفمبر 1954 ” (3) . فكلّ هذه الظروف هيّأت التربة الخصبة لاحتضان ثورة ليلة الرابع من ربيع الأوّل 1374ه ، غرة نوفمبر 1954 ونجاحها.

ب- الوضع الاقتصادي والاجتماعي:

كان المجتمع الجزائري أثناء الحرب العالمية الثانية يعيش حياة اقتصادية مزرية، فقد جردوا من كل المواد الغذائية، إضافة إلى تقديمهم لفلذات أكبادهم لميدان القتال في أوروبا . وهذا ما زاد من معاناة الجزائريين، فأصبحت الأسر دون كفيل يكفلها، زيادة إلى ذلك سلبت منهم الأراضي الزراعية، ومنحت للمستعمر (المستوطن)، وحوّل أصحابها إلى خمّاسين فيها أو عمّال بأجور منخفضة.

نتيجة للهجرة من الرّيف إلى المدينة ، ازداد عدد العمّال في المدن وبالتالي ازدادت البطالة لقلّة مناصب الشغل مما هدد أمن و حياة الجزائريين ، مما أدى إلى معضلات صحية وسكنية صعبة ومزرية فانتشرت الأحياء القصديرية ، و الأمراض القاتلة و المهلكة كالسل و السرطان ، مما أودى بحياة الكثيرين لعدم توفر العلاج .

هذه الحالة السيئة دفعت الجزائريين باللجوء إلى الهجرة تحسينا لأوضاعهم المعيشية، وتخلّصا من الظلم والتمييز العنصري ” فالتفرقة العنصرية التي مارستها فرنسا في الجزائر قد جعلت أهل البلاد غرباء داخل أوطانهم ، بينما يعيش الأجانب أسيادا في خيراتها ” . (4).فاعتمدوا على سياسة النهب والاستغلال إلى أقصى الحدود ، لكن بعض الباحثين أشاروا إلى أنّ هناك تطوّر طرأ على المجتمع ما بين 1945-1954.

فرغم هذه الظروف التي عانت منها الجزائر فإنّها حافظت على أصالتها ، و قاومت كلّ القوى التي طمحت إلى تدنيس مقوّماتها ، وواجهتها بكل قوّة و إرادة وثبات ، فقد كانت جمعية العلماء المسلمين  أفضل مثال عن هذا التدنيس والتصدي لأي مساس بالشخصية الوطنية .

ج- الوضع الثقافي :

1- التعليم و اللغة العربية :

لاشكّ أنّ التعليم في الفترة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر من المواضيع التي تكشف الستار عن السياسة الاستعمارية ، و إن كانت تدّعي  أنّها أتت لنشر الحضارة عن طريق تعميمها للتعليم الفرنسي في الجزائر ، كخطوة لتمكين الجزائريين من استيعاب مبادئ الحضارة و المدنية الغربية، فهذا النظام يرمي إلى تحطيم المدارس التقليدية المحافظة على الثقافة الإسلامية.

قبل الخوض في هذا كلّه يجدر بنا الإشارة إلى التعليم قبل الاحتلال . فقبل دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر بلغت نسبة التعليم فيها إلى 90%   ونسبة الأمية فيها قليلة جدّا ، نظرا لتوفر المؤسسات التعليمية : من مدارس ومساجد وزوايا فكانت تهتم بالتعليم في  مراكز شتّى  من بقاع الوطن ، من أهمّها : تلمسان -

بجاية  – فسنطينة – الجزائر – عنابة -  وهران و بسكرة . و كلّ مدينة من هذه المدن تحوى عائلات تهتم بنشر العلم و الحفاظ على المؤسسات التعليمية . لقد كان التعليم آنذاك يحتل مكانة مرموقة ، لكن بعد الاحتلال قامت فرنسا بكلّ ما لها من قوى للقضاء على هذه المكانة التي تعطي للشعب الجزائري أصالته  فتدهورت حالته ، و أوقفت تدريس  اللغة العربية التي تعدّ رمزا من رموز الشخصية الوطنية الجزائرية وجعلوا تعليمها  أو تعلّمها جريمة يعاقب عليها القانون ، فقد حوربت محاربة ضارية حتى أصبحت لغة أجنبية في أمّتها  ، ” ومع مرور الزمن أصبحت اللغة الفرنسية منافسة حقيقية للغة الوطنية بعد أن سيطرت على التعليم  و الصحافة و الإذاعة .”(5). فهذا كلّه ينطوي على أهداف سطّرها هذا الاستعمار ترتبط مباشرة بحركة التعليم و التثقيف ، فمن جهة عمل على طمس اللغة العربية و محاربة الدّين الإسلامي ، و كلّ ما له علاقة بالتقاليد الدينية العقائدية معتبرا أنّ تلك المقوّمات تعيق تمركزه و تحرّكاته في كامل أقطار البلاد العريضة ، وأراد تعويضها  باللغة الفرنسية و التعاليم الدينية المسيحية . لكن ما لبث أن تراجع عن تطبيق هذا القانون كونه أدرك بأن تعليم الجزائريين بأيّ برنامج قد يؤدي إلى توعيتهم و إدراكهم كل المرامي التي يسعى إليها المستعمر لأنّ الثقافة هي التي تساهم في توعيتهم  ، فسعى لمنعهم من التعليم حتّى في المدارس التي أنشأها بنفسه بهدف نشر الأمية في ربوع الجزائر. و بهذا كلّه ” تبرّر فرنسا احتلالها للجزائر بأنّ لها   ( رسالة تحضير وتثقيف الشعب الجزائري ) ، ونحن نقول أنّ رسالة فرنسا (التمدينية) تتمثل في نشر الجهل بين الجزائريين “(6). فأمام هذه الوضعية ظلّ الجزائريون يحاولون بكلّ وسائلهم البسيطة و المحدودة مقاومة هذا المشروع التغريبي الفرنسي بمختلف تقلّباته . فرغم كلّ شيء لم يستسلم لهذه اللغة الدخيلة، و لم يتخلّ عن أصالته ، فظلّ متمسّكا لصدّ كل ما يرمي و يصبو إلى القضاء على شخصيتهم الوطنية  و مبادئهم الإسلامية .

إنّ التعليم العربي غائب في المدارس الرسمية ، إلا في بعض المدارس التي يدرّس العربية فيها مدرّسون فرنسيون أو جزائريون مفرنسون ، و في التعليم الابتدائي نجد الأطفال الفرنسيين الذين بلغوا سن الدّراسة كلّهم يقبلون في المدارس التي تطبّق البرامج السارية المفعول في الوطن الأم ، و بواسطة معلّمين أكفّاء تمنح لهم الوسائل الضرورية لأداء رسالتهم على أحسن وجه. أما الأطفال الجزائريون عند بلوغهم سن الدراسة لا يجدون سوى مقعد واحد لكل خمسة ذكور ، وآخر لعدد يتراوح ما بين ست عشر و ست و سبعين فتاة ، أي أنّ طفلين من مجموع ثلاثين كان يمكن لهما الدخول إلى المدرسة في سنة 1954 . و نسبة أبناء الجزائر اللذين أتيحت لهم فرصة التعلّم لم تتجاوز 7% . إضافة إلى الفشل و العجز عن مواصلة الدراسة بسبب الفقر و الاحتجاج . أما فيما يخص عدد التلاميذ الجزائريين في التعليم الثانوي عام 1951 م  لم يكن يمثّل سوى 6 و 11 %  من مجموع  المسجّلين في الثانويات ، و مع اندلاع الثورة وصل عددهم إلى 6260 من جملة 35000 تلميذ . و إ ذا سلّطنا الضوء على التعليم العالي نجد أنّه كان حكرا على الفرنسيين  فلم يحض به إلاّ نسبة ضئيلة من الجزائريين ، فهي نعمة أوقفتها فرنسا على شبابها ، فكان عدد الطلبة الجزائريين سنة 1948 لا يزيد عن 6 من بين حوالي 600 أوروبي ، ومع قيام الثورة ارتفع هذا العدد لبلغ 589 طالبا من بينهم 51 طالبة  من بين 7800 طالب فرنسي . (7)

 

2- أهم العوامل المؤثّرة في النهضة الفكرية و الثقافية في الجزائر قبل 1954 :

أ- نادي الترقي:

أسسه بعض شيوخ العلماء في سنة 1344 ه – 1926 م ، يهدف إلى إحياء التراث العربي ، تركّزت جهودهم على المحافظة على طهر العقيدة الإسلامية من الشوائب و البدع الدخيلة ، و مقاومة الطرقية التي  خدم عديد من زعمائها الاستعمار  الفرنسي .

ويعتبر هذا النادي أب النوادي الذي قاد نهضة جديدة خالصة،  ” يعدّ نادي الترقي بمدينة الجزائر ، بل في مجموع الوطن ، كعكاظ في الجاهلية في جزيرة العرب ، و كالمربد في البصرة أثناء القرن الأوّل الهجري . فقد كان هذا النادي قطبا عظيما يطفح بالنشاط   الأدبي،  ويفيض بالخصب الفكري،  ة يكتظ بالعلم  و العلماء ، و الخطب و الخطباء “.(8) .  فله شأن عظيم في نشر التعليم و الدين الإسلامي بين أفراد الأمّة الجزائرية ، كما ساهم في دعم حركة التعليم الحر منذ وقت مبكّر ، بالإضافة إلى هذا كان مركزا للمحاضرات العلمية باللغة العربية . كما كان مركزا للدروس الدينية و الاجتماعية التي تعالج أمراض  المجتمع على ضوء تعاليم  وأحكام الشريعة . و بفضل هذا التعليم انبثقت الحياة في الأمّة ، حيث بعثها على العمل و سما بشخصيتها في سلّم الرقيّ الإنساني . وعن هذا النادي ألقى الشاعر أبو يقظان قصيدة معددا فيها بعض مزاياه منها :

حيّ في نادي الترقي             أنفسا   ذات  مزيّة

صاح هل تعرف ما هي        مزاياها   الســنية   ؟

في حمى النادي تصافت        انفس الشعب الزكية

في حمى النادي ترائت          للـــولا   آي   جليّة

في حمى الناّدي تلاشت         همزات  العنصرية

في حمى النادي تعالت           صرخة الشعب الدوية

فعلى  النّادي     سلام            و تحيّات   شديّة (9)

 

و بهذا تمكّن هذا النادي من أن يكون مصدرا من أكبر مصادر المعرفة الثقافية الجزائرية ، فبين أحضانه ترعرعت جمعية العلماء المسلمين .

ب- جمعية العلماء المسلمين :

بعد مرور قرن من الاحتلال الفرنسي للجزائر ، استيقظ علماء الأمة ومثقفّيها لحمل لواء المقاومة ، متأكدّين بأنّ العلم هو السلاح الأقوى في مكافحة الاستعمار بكلّ أنواعه . فأسسوا جمعية العلماء المسلمين يوم 05 مايو 1931في نادي الترقي بالعاصمة ، برئاسة الإمام ” عبد الحميد ابن باديس” (1889-1940) ، وهومن خرّجي جامع الزيتونة بتونس ، و قام “الطيّب العقبي ” بنشر أفكار الجمعية في الجزائر العاصمة وما جاورها ، والبشير الإبراهيمي  في الجهة الغربية للبلاد ،و أبقى الإمام قسنطينة تحت إشرافه شخصيا .

حملت هذه الجمعية بين طيّاتها مشروع إعداد جيل جديد متشبّع بالقيم الإسلامية ، ومتقننا للغة العربية و محافظا عليها . فاستمرّ هذا الجهد التعليمي الإصلاحي  رغم العراقيل و الإضطهادات صادفها العلماء والمعلمون . والجدير بالذكر أنّ الشعب الجزائري أقبل على التعليم الحر بشكل خارق للعادة ، فقد دعت هذه الجمعية إلى تعليم اللغة العربية ، كما أنشأت المدارس الحرّة لها ، فانتشرتفي جميع مدن الجزائر و قراها ،وواصلت مشوارها بعد الحرب العالمية الثانية ، رغم كل العقبات .

وفي 1949 وصل عدد هذه المدارس الحرة التي أنشأتها إلى مائة وثلاثين مدرسة من شبّان و شبّات ، فكانوا هم المعوّل عليهم في تولّي مهام التعليم و التثقيف ، و يمكن اعتبار شهاداتهم آنذاك كالشهادة الثانوية في يومنا هذا ، أو أكثر. كما قامت هذه الجمعية سنة 1947 بإنشاء معهد ابن باديس  التكميلي ، الذي يحوي حوالي ألف طالب ، ليكون وصلا بين المدارس الحرة و المعاهد العليا يتونس و المشرق العربي . ولا يسعنا إلاّ أن نختم كلامنا عن الجمعية بهذه الأبيات من قصيدة الشاعر الجزائري “أحمد سحنون ” تحت عنوان “جمعية العلماء” :

 

(جمعية العلما ) أدّت رسالتها                     رغم العوادي  و لم تبرح تؤدّيها

لم تأل جهدا ، ولم تجزع لنائبة                    و لم تضق  بأذى  ممن  يعاديها

يهنيّ للجزائر– و ليخسأ مناوئها                  إنّ “البشير” إلى التحرير حاديها

فعلمه في طريق المجد دافعها                     و رأيه في ظلام الخطب  هاديها

إن حاق بالدّين سوء فهوذائده                      أو حلّ بالضاد شر، فهو   فاديها

أقام للعلم دورا  من مدارسها                       و للبلاغة  سوقا  من     نواديها

قد ضمّ صفوق أبناء الجزائر من                 من باني علاها ،إلى محيي مآتيها (10)

 

ج- الصحافة :

للصحافة شأن لا ينكر في النهضة و إيقاظ الشعب من غفوته ، مما جعل علماء الإصلاح يعمدون إلى ” إنشاء الصحف الوطنية التي كان على لسانها نبذ الخرافات والبدع . والدّعوة إلى التربية و التعليم ، والأخذ من حضارة أوروبا بكلّ حسن نافع ، و إلى كلّ ما يرقيّ الأمّة في كلّ نواحيها … وبذلك وجد المصلحون في كلّ أنحاء الجزائر وسيلتهم للاتصال فأقرّوا في أعماقهم ما يريدون “.(11)  و بالتالي أصبح الاهتمام  بها جليّا لفضلها العظيم في قيام النهضة و ترعرعها . فإذا ما عدنا إلى تاريخ الصحافة العربية في الجزائر نجد أنّ أوّل صحيفة عربية عرفت النور في عنّابة 1894 تحت عنوان ” جريدة الحق ” ، أسست من طرف الأدباء و المصلحين. وتلتها العديد منا الصحف نذكر منها :  ” الفاروق ” 1924 ، ” المنتقد” 1925 . ثم ّما لبث أن أنشأ صحيفة ” الشّهاب ” (1925-1939) .  لكن سرعان ما آلت كلّها إلى نفس المصير ، حكمت عليها فرنسا بالإعدام .

من أشهر الصحف التي صدرت بعد 1945 نجد ” البصائر ، الوطن ،العبقرية، افريقيا الشمالية  و غيرها،و تعتبر البصائر الثانية من أرقى هذه الصحف،  وأكثرها عناية بالمستوى الفنّي “ (12)  و تعرّضت هي بدورها إلى التوقف في فترات ، و لها كلّ الفضل في النهضة الأدبية ، فكان أسلوبها يزداد أناقة وجمالا و إشراقا كلّما تقدّمت إلى الأمام  ، فهي  تدعو كتاّبها إلى النحكّم في الأسلوب و الإبتكار في المضامين . فقد اعتبرها الدكتور عبد الملك مرتاض ” سراجا وهّاجا ينير أرجاءها ، و يلقي على مجاهلها أسطع الأضواء ، أو بمثابة القطب الذي تدور عليه الأشياء ، و تقوم حوله “.  (13)  لقد عملت البصائر على نشر اليقظة العلمية و الثقافية في المدارس ، وبناء مجتمع جزائري عربي مسلم ذو كيان قوي . وزيادة على ذلك ” كانت معرضا مشرقا للإنتاج الأدبي “. (14) فبفضلها تمكّنت نخبة من المثقفين من أدباء و شعراء من نشر أعمالهم الأدبية .

كما لا تخفى علينا تلك الصحف الواردة و الوافدة من المشرق العربي  ، ” والتي وجدت مطاردة من طرف فرنسا ، ومن هذه الجرائد : “  الشورى  ” السورية ، مجلة  ” الفتح ” . و بالرغم من الرّقابة الصارمة و العين اليقظة فإنّ هذه المطبوعات لم تعدم طريقها إلى الجزائر .”(15)  فبقي طريقها ساري المفعول في الجزائر ،و التي عملت بدورها على مواجهة فرنسا التي كانت لها بالمرصاد و تحدّتها ، و كانت للصحافة الجزائرية أن تتأثر بها دينيا فكريا ، و حتى المثقفين الجزائريين فعليها تخرّج الشعراء متبّعين درب المشرقيين في إنتاجاتهم  ، وهذا الاحتكاك ولد لدى الجزائريين ما يسمى بالمثاقفة (المفاعلة) .

الصحافة بشكل عام لعبت دور كبير في الصحوة الفكرية الجزائرية ، و في ترجمة و تعكيس الصورة الإجتماعية لها  : ” حتّى طغت عليها في هذا العهد موجة من الإرتسامات القاتمة ، و الانعكاسات السوداء لهذه الحالة وكادت تصبح صحافة اجتماعية بالدرجة الأولى … وكان للكلمة الفنية صوت مسموع في هذا المضمار ، و أصداء متجاوبة في تجسيم أبعادها . فالنّص الأدبي لم يتمخّض إلا عنها و لم يترعرع إلا في أحضانها ” .(16) إذن فضل الصحافة ضخم لا مثيل له في بلورة و إثراء النهضة الأدبية و الفكرية في الجزائر ، فكيف لا ، فهي من وسائل التعبير عن الآمال و الطموحات التي يرمي بها كل فرد من أفراد الشعب الجزائري.

 

د- تونس و المشرق العربي :

في الأخير لا يسعنا إلاّ أن نقف عند دور تونس وبعض بلدان المشرق العربي اللآتي كان لهنّ  دور لا ينكر في النهضة الجزائرية ، فقد كانت تونس مثلا : مركزا للحضارة و العلم لوفرة عوامل النّهضة فيها ،من مدارس ونوادي وصحف ، و الكتب التي كانت تتوافد إليها من المشرق العربي ، حتّى أصبحت جامعاتها تزخر بأمّهات الكتب .

بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر بربع قرن ، أصبح الطلاّب الجزائريين يتوافدون إليها فارين من سياسة الاضطهاد الفكري في بلادهم .  و مع بداية القرن الماضي تزايد عدد الطلاب الجزائريين الوافدين إليها : ” إذ شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى تدفّقا من أفواج الطلبة على جامعة الزيتونة التي صارت مقصد كلّ من يريد الثقافة العربية الواسعة و على المدارس التنوسية ، ولماّ قامت الثورة التحريرية 1954 كان عدد الطلبة الجزائريين في جامعة الزيتونة وحدها يربو عن ألف تلميذ .”(17)  و بهذا فإنّ جامعة الزيتونة ،و جامع الأزهر و الحجاز ، كان لهم شأن عظيم في تكوين العلماء الجزائريين الذين اعتمدت عليهم الجزائر في بعث نهضتها ، كالإمام ابن باديس ، البشير الإبراهيمي و الطيّب العقبي … وغيرهم من الذين ساهموا في ميلاد عصر جديد في الحياة الفكرية في وطنهم الأم ،من أجل محاربة الكيان الفرنسي الذي يطمح إلى مسخ وتشويه مقوّماتهم .

3 – الحركة الأدبية قبيل 1954 :

إذا ما عدنا إلى الأدب الجزائري في عصر الملوك ، لوجدناه أدبا أرسطوقراطيا  في جلّه ،” نريد أن كانوا يؤثرون السادة و العظماء بما ينتجون ، فكانوا لا يعيشون لأدبهم وإنّما يعيشون بأدبهم ، كانوا يتّخذون الأدب وسيلة إلى الحياة ، وهذه حالة جلّ أدباء العرب وقتئذ … ، ومنذ تقوّض العرش الزيّاني صار الأدباء ثائرين على هذا النّوع من الحياة ،مبغضين لهذا النّوع من الأدب ” (18) . فالأدب  في هذه الفترة كان لغرض التكسب من أجل عيش مريح ، إلى أن جاء  عرش الزيّاني ليحاربوا هذا النّوع ليصبح فنّا بحدّ ذاته لا وسيلة من وسائل كسب القوت .

مع الاحتلال الفرنسي للبلاد ، الذي لم يحمل بين ذراعيه حضارة ، إنّما أتى لسلب أفكار الأمّة وتشويه شخصيتها وتزوير تاريخها ، و هذا مسّ بشكل أو بآخر بالشخصية الوطنية التي لطالما احتفظت بمقوّماتها وملامحها ، حيث ” تعرّضت … إلى هزّات عنيفة كادت تفقدها تلك المقوّمات و الملامح ، لأنّها لم تستطع أن تواجه الغزو الثقافي بنفس العتاد الذي جاء به الاحتلال ” .(19) و بسبب كلّ هذه الظروف إضافة إلى المراكز التعليمية بوسائلها المحدودة ، و بثقافتها التقليدية ، لم تتحقق النهضة الفكرية والأدبية  حيث سادها الجمود و التحجر : ” فقد تشتتت كل الجهود العقلية المنتجة ، وتشرّد الأدباء و الشعراء الوطنيون، و اندمج بعضهم في حركة المقاومة التي أعلنها الشعب فترة طويلة ضد الغزاة ، و شغل الناس عن الأدب والشعر ، لأن ذلك لن يغنيهم عن النّار التي يتلظّون بها فتيلا ” .(20) فقد عاش الأدب في هذه الفترة توقّفا و ركودا لانشغال النّاس عنه  ، فسادهم الصمت والعكوف، و الاهتمام بالأمور السياسية ،وكان الأدب بعيدا كل البعد عن الدخول في مثل هذه الأمور ،  وبهذا الركود ” استولى على الشعب الجهل حتى صار يعظّم القبور و يتّخذ بعض الموتى و يخلّد  شفعاء عند الله ” .(21)   وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على أنّ للأدب دور كبير في صحوة الشعوب ،وتنبيههم وتوجيههم نحو الطريق السديد . فقد وصلت هذه الفترة إلى منعرج خطير في مسيرتها الدينية و الفكرية ، التي استهدفت من طرف الغزاة ، مشوّهين بذلك عقيدتها ، جرّدوها من براءتها الأصيلة ، حتّى كاد أن يقضي على الشخصية الوطنية تماما ، تحقيقا لما تصبو إليه فرنسا منذ غزوها للبلاد ، لكن هذا لم يتحقق .

مع بداية القرن العشرين أخذت تلوح في الأفق بوادر النهضة ، فقد  ” كانت في زوايا متعددة من            القطر الجزائري إرهاصات تبشّر بوجهة جديدة للحياة الدينية الفكرية ، ودعوة أصيلة إلى المنبع … والتطلع إلى المستقبل ” .(22)  إنّها وجهة لطالما انتظرتها الأعين بشوق حار ، كما ينتظر الظمآن قطرة ماء . وجهة كانت نتيجة لعدد من المؤثّرات الإصلاحية ،الخارجية منها و المحلية : من سياسية و اقتصادية ودينية و ثقافية ، التي لخّصها  الدكتور أبوالقاسم سعد اللّه في ثلاث : المؤثّر الشرقي ( العربي ) ، المؤثر الوطني ، المؤثر الغربي .

- المؤثر الشرقي :

الذي ما لبث أن وصل إلى الجزائر ، و يقصد به : “  إقتداء الشعب الجزائري بما يجد في الشرق العربي من أفكار و اتجاهات ،وما يحدث فيه من هزّات قومية سواءا أكان عمادها الماضي  ومجده ، أم الحاضر في قلقه و تحفّزه “  . (23) ومن هنا يمكن إعتبار النّهضة الأدبية الجزائرية صدى للنهضة في المشرق العربي ، فتأثّر بها الأدباء والشعراء ، و تفاعلوا معها متبّعين المشرقيين في خطاهم ،  سائرين على دربهم . و بالتالي يمكن إعتبار ” المشرق العربي مؤثرا حيويا في إتجاه الادب الجزائري ، كما كان مؤثرا في الإتجاهات السياسية و الإصلاحية ” .(25)  وبهذا تمكّن جيل الشعراء و الأدباء من إكتساب الخبرة من إخوانهم العرب ، فنسجوا على هديهم ، مستضئين بنورهم ، فتجاوبوا معهم من أجل التطلّع إلى مستقبل أدبي أفضل حاملا بين طيّتيه نظرة تجديدية لتتجاوز هذا التقليد .

- المؤثر الوطني :

الذي كان لابدّ منه ليؤثر في الحياة الاجتماعية ، و يوجه الفرد الجزائري توجيها صحيحا معه ، بلغته ودينه ، وهذا المؤثر عبارة عن ” مجموعة الأحداث الكبيرة التي ظهرت في الجزائر متّخذة لها من السياسة عنوانا ، و من الوطنية شعارا ، مستهدفة جمع الشعب تحت راية واحدة …” . (26)فكانت الحركة الوطنية أبرز مثال على ذلك : حيث عملت على إيقاظ الجزائريين من سبات دام فترة طويلة ، وأصلحت الكثير من أمور تكدّست في نفوسهم ، فأعادت الثقة فيها، وطوّرت عقولهم ونبّهتهم إلى حقوقهم ، وبهذا حاولت النهضة الأدبية البروز إلى السطح  ، فلم يقوى الأدباء و العلماء على السكوت والإمتناع عن المشاركة في الحياة . وكان للأدب أن يتجاوب مع هذه الظروف، ” ومن ثم يمكن القول بأن الحركة الوطنية قد أثّرت في الأدب في جميع مراحلها ، غير أنّ هذا التأثير اتخذ شكل التأييد المطلق ، و أغنى الأدب بتجارب سياسية في بعض الأحيان ، و اتّخذ مرّة أخرى شكل المعارضة ،    و الدّعوة إلى مفاهيم جديدة تحقق للشعب حياة أكمل و أوفر كرامة من حياته في ظلّ الإحتلال”. (27)  منه فقد تجاوز الأدب المواضيع السياسية و خرج من قوقعتها ، داعيا إلى الإصلاح الاجتماعي،   و الأخذ بأسباب الحياة المعاصرة ، ومحاربة الجهل ، و القضاء على البدع  و الخرافات ، والسعي نحو التطوّر العلمي ، دون الإستهانة بالمقوّمات الشخصية ، والإتحاد للمقاومة لتحرير البلاد من أيادي الغزاة  .

- المؤثر الغربي :

بعد احتلال فرنسا للجزائر أصبحت هذه الأخيرة متصلة بها “  سياسيا واقتصاديا ، وارتبطت بها ثقافيا وحضاريا منذ 1830 ، ولم يبق على الباحث إلا أن ينتظر النتائج فماذا كانت ؟ ” .(28)  فالإستعمار بغزوه استطاع أن يوجّه الشعب لخدمته ، و أن يسيطر عليه ماديا ، لكنّه ظلّ فاشلا في التحكم فيه ثقافيا فكريا ، إلاّ فئة مستضعفة منه .

مع بداية القرن العشرين بدأت هذه الفئة تزداد بسبب الإغراءات الفرنسية للشعب بسد احتياجاتهم والذين يدعون إلى هذا كانوا يرمون إلى ملأ الفجوة التي تعانيها الجزائر من حضارتها التقليدية المستمدة من المشرق العربي ،” لذلك اندفعوا يحملون هذا الشعار ( التقدمي ) مع الإشتراكية الإستعمارية تارة ، ومع العقلية العلمية ومبادئ الثورة الفرنسية تارة أخرى ، و أدّى تطوّر هذه الدّعوة  الخطرة إلى ظهور طائفة من المفكرين و الأدباء و الشعراء بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت تجربتهم جزائرية ، و لكن وسائلهم واتجاهاتهم كلّها غربية “  . (29)هذا كان فيما يخص مرحلة ما قبل الثورة ، لكن مع اندلاع الثورة بدأت ملامح هذا المؤثر الغربي تندثر لتحلّ محلّها اتجاهات وطنية متنفسة الصعداء ، فلطالما  أضاقت عليها فرنسا نفسها كونها تسعى إلى الإنفصال عنها ،مُطلقة العنان لرأي الشعب الذي حبس لفترة طويلة ، من أجل تجسيده لشخصيته الوطنية من ذات و أخلاق و تاريخ.

كان هذا فيما يخص المؤثرات التي بفضلها انبثقت من الأدب الجزائري ثلاث اتجاهات :

الاتجاه التقليدي :

ظهر في العقد الأوّل من القرن الماضي ، الذي لم يأت بأيّ جديد ، بحيث كان استمرارا للحركة الأدبية ، شعرا و نثرا ، متأثرة في ذلك بالأدب المشرقي ذو الموضوعات تقليدية بسيطة . (30)، لا تخرج من بوتقة الرّثاء ، و المدح ، و الزهد ، و الإرشاد … الخ . و من أشهر ممثلي هذا التيّار : أحمد  كاتب الغزالي  عاشور الحنفي ، و غيرهم …

ب – الإتجاه الرومانتيكي :

بزغ  فجر هذا التيّار بعد الحرب العالمية الأولى ، كرد فعل للأوضاع السائدة آنذاك ، و المذكورة سالفا ، تأثرا بالمشرقيين و الغربيين ” تأثر معظم كتاب هذه الحقبة التاريخية بالمدرسة المهجرية ، ومدرسة أبوللو الرّومانتيكيين “.  (31) وانعكس تأثرهم هذا في أعمال شلّة من الشعراء أبرزهم : عبد الكريم العقون الطاهر بو شوشي ،و الأخضر السائحي .

جـ -  الإتجاه الواقعي :

خلّفت مجزرة 08 ماي 1945 واقعا جديدا ، استطاع أن يمزّق الإتجاه الرومانتيكي ، لتتولد اتجاهات أدبية أخرى أكثر واقعية ، وأصدق تعبيرا . وجاء هذا التيّار على فرعين ، فرع عربي اللغة واضح الأهداف، له صلة وثيقة بالشعب، جامع بين القديم و الحديث، و يتجلّى هذا الشعر العربي المنظوم و الرواية التي ظهرت كفن جديد مع رضا حوحو ، لكنّه سرعان ما انغلقت عليه الأبواب ، و لم تسعفه الظروف على تطوير هذا الفن . الفرع  الثاني  يتمثل في الفرع اللغة الفرنسية ، مبهم الأهداف ، كثير الاعتماد على الحديث ، و يتجلّى هذا الصنف في الرّواية ، و القصة ، عرف النّور ما بين 1946-1954 .(32) بفضل هذا الفرع الأخير تميّز الأدب الجزائري عن بقية آداب اللغة العربية في العالم العربي . تضاعفت المحاولات باللغة الفرنسية في فترة الخمسينيات قبل الثورة ، إذ نجد ” مولود فرعون ” نشر عام 1953 روايته الأولى ” ابن الفقير LE FILS DE PAUVRE ” ، و في سنة 1953 نشر روايته :” الأرض و الدّم  LA TERRE   ET  LE SANG ” و” مولود معمري” نشر  “الهضبة المنسية   LA COLLINE OBLIEE” سنة 1952 . و” محمد ديب ” الذي يعتبر رائدا للرّواية الجزائرية الحديثة بالفرنسية من أعماله قبل الثورة  ” الدار الكبيرة ” 1952.

عموما إذا ما تتبعنا الحركة الثقافية في الجزائر ، وجدنا فترة ما بين 1947-1951 أكثر عطاء أدبيا  مقارنة مع السنتين ما قبل الثورة ، فقد خيّم عليهما صمتا و ركودا كبيرين ، وكان هذا رأيا لشلتاغ عبود شراد مستشهدا بإبن عاشور إذ يستفســـــر : ” فأين العيد وهزاره ، و الحكيم و حمــاره ،وسحنون وأشعــاره؟ ، أم أين بوكوشة و الشجــون ، و الأغاريد و العقــــون ، و الكــاهن و الإسجــاع ، و الربيع والإبـــداع  ؟ أسماء أعجب الناس إنتاجها حينا من الدهر ، ثمّ انطفأت شموعها المضيئة  تاركة خلفــها حالك الظلام ” .(33)  وربّما  هذا الفتور الذي عرفته الحركة الأدبية قبيل الثورة –  بسنتين أو ثلاث – عائد إلى الأوضاع  العامة السائدة آنذاك ، خاصة السياسية منها ، و المصير الذي آلت إليه الحركة الوطنية ،   و التي انعكست سلبا على الشعراء و الأدباء مشيرا إلى ذلك أحمد رضا حوحو ، قائلا بأنّه كتب حتى ملّ الكتابة ولم تثمر كتابته شيئا . (34) لكن رغم هذا فقد عرفت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بصفة عامة : ازدهارا أدبيا لا مثيل له من قبل ، طغى عليه الطابع الجمالي ، في مختلف أجناسه شعرا و نثرا . ومن أشهر أدباء هذه المرحلة : أحمد رضا حوحو ، البشير الإبراهيمي ، محمد ديب … و غيرهم .

خلاصة القول أن ّ الأوضاع العامة التي عرفتها الجزائر منذ الإحتلال إلى غاية إندلاع الثورة ساهمت بشكل كبير في المسيرة الأدبية . دون أن ننسى المؤثرات الشرقية و الغربية ، التي كان لها شأن لا ينكر في ذلك ، و هي كفيلة لتفسّر لنا سبب بطء الحركة بالمقارنة مع أقرانها في الأقطار المختلفة من   العالم ، فهو أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة ، و فعلا هذا ما حدث فبعد اندلاع الثورة انقلبت الموازين في الجزائر ، سياسيا و اجتماعيا و فكريا  فطالت يد التغيير لتمس الأدب شعرا و نثرا .

4- الشعر الجزائري قبل 1954

قبل الولوج في الحديث عن الشعر الجزائري في النصف الأوّل من القرن العشرين ، بالتحديد  بعد ظهور الحركة الاصلاحية الى غاية اندلاع الثورة – من 1925 الى 1954- ، يجدر بنا الإشارة الى حالة هذا الشعر في القرن التاسع عشر الميلادي ، و في مطلع القرن العشرين .

أوّل شرارة اشتعال نواة الشعر الجزائري كانت في شعر مقاومة الاحتلال ، مستمدا روحه من شعر الفروسية و الحروب ، تطلعا الى الحياة الحرة الكريمة ، و استلهاما لقيم البطولة و التضحية و الشهامة والكرامة … كان “الأمير عبد القادر ” من هذا الطراز الرفيع ، إذ يقول ” محمد الطمار “  : ” فلا نستطيع أن نعثر على أديب يمثل حقا الحركة الأدبية  بعد وفاة المقري ، حتى القرن الثالث عشر الهجري  حيث برزت شخصية فذة تتمثل في الأمير عبد القادر “  (35).فقد فسح شعره مجالا واسعا لصور التضحية و الفداء ، ليشهد بذلك على بدايات طيبة لنهضة الشعر الجزائري منذ النصف الأوّل من القرن التاسع عشر . حيث ضمن قصائده معاني البطولة و الاعتزاز بالشخصية القومية و النخوة العربية ، اقتداء بنماذج من الشعر القديم لقوّتها ، كما في شعر عنترة و حسان بن ثابت و أبي فراس الحمداني و المتنبي ، و غيرهم …  ” نلمس في فخره أثر عنترة و المتنبي ، تغنّى مثلهما بالشجاعة و البأس و البطش بالعدو ،  ولاغروة من ذلك فانه عرف المعارك و مارسها ممارسة الجندي و القائد . فقال :

 

تسألني أم البنيـــــــــن و أنّـــــــــها                  لأعلم من تحت السمـــــاء بأحوالي

ألم تعلمي ، ياربة الحذر ، أننــــــي                  أجلي هموم القوم ، في يوم تجوالي

وأبذل يوم الرّدع نفســا كريمـــــــة                  على أنّها في السلم أغلى من الغالي

وعني سلي جيش الفرنسيس تعلمي                   بأن منايــــــاهم بسيـــفي و عسالي

سلـــي الليل عنّــي كم شققت أديمـة                  على ضامر الجنبين ، معتدل عال

سلي البيد عنّي و المفارز و الرّبـى                   و سهلا و حزنا ، كم طويت بترحالي “(36)

 

من هنا نلتمس تأثر الأمير بشعر الأقدمين ، الذي عبّر فيه بكل صدق عن روح الفروسية الثائرة متشبعا بقيم الوطنية و البطولة النادرة ، كما في قصيدته ” خنق النطاح ” التي نظّمها عقب المعركة قرب وهران ، عام 1832.(37)  و في ثنايا هذه القصيدة يظهر لنا بوضوح تمكن الأمير من غريب اللّغة ، وإتقانه لأساليب المجاز .

 

كما لايخفى علينا أيضا بعض القصائد التي نظّمها في الغزل ، وأشهرها قصيدة ” بنت العـــــم”   و التي تذكرنا بأشعار القدماء ، متخذا البحر الوافر هيكلا إيقاعيا لها ، و فيها يشكو هجران الحبيبة ، و آلام البعد عنها ، نذكر منها هذه الأبيات :

 

أقاسي الحــــب من قاسي الفـؤاد                و أرعاه ، ولا يرعــــــى ودادي

أريد حيـــــاتها و تريد قتلـــــــي                 بهجــــر ، أو بصد ، أو بعــــاد

تهجرني بـــــــلا ذنــــــــب تراه                فظلـــــمي قد رأت دون البعـــــاد

و من عجب تهــاب الأسد بطشي                و يمنعنــــــي غزال عـن مرادي

إذا ما النـــاس ترغب عن كنــوز                فبنت العـــــــم مكتنزي و زادي

 

إنّ ثقافة الأمير في التراث الشعري ، والأدب العربي واسعة و شاملة و عميقة ، حيث لا يمكننا الاحاطة بكل مشاربها ، و هذا ما يجعل قصائده بؤر استقطاب النصوص القديمة وما تحتوي عليه من المباني الخاصة ، و المعاني الدّالة على سموّ تجربته الفنية في الشعر ، ليتجاوز بذلك عهد الانحطاط       والرّكود في عصره ، عائدا بقصائده إلى العصور الزاهرة في الأدب العربي باحتذائه لأرفع النماذج الشعرية لها .

إ ذا جاوزنا شعر الأمير عبد القادر النضالي الرائد في موضوعات الحرب و الحماسة و البطولة ، إلى  التحدث عن شعر غيره من شعراء عصره ، فإنّنا لا نكاد نجد شاعرا جزائريا مميزا ينافسه أو يقرب منه في طريقة تناوله للموضوعات . وكان معظم هؤلاء الشعراء ينظمون الشعر في أغلب الأحيان هواية لا احترافا ، لانشغالهم بوظائف أخرى لكسب قوتهم اليومي ، مثل الإمامة ، والمشيخة ، و التدريس ،.  والبعض الآخر منهم كان يقيم بالخارج . و قد ذكر أبو القاسم الحفناوي في كتابه : ” تعريف الخلف برجال السلف “  أسماء عدد منهم ، مثلا ” محمد الشاهد “  و الذي وصفه بشاعر العصر و المصر ، و قد نظّم  في قصلئده أغراض شتى كالرّثاء  ، و المدح و الغزل … وأشهر قصائده : مرثيته لمدينة الجزائر إثر تعرّضها للنهب و التخريب ، و تحوي ثماني عشر بيتا ، و من الشعراء أيضا : ” حسن ربيهمات الجزائري ” ،” عبد الله بن محمد البجائي ” ، ” محي الدّين بن الأمير عبد القادر ” …(38).

بشكل عام بمكن القول بأن الشعر الجزائري في القرن التاسع عشر ، غلب عليه الطابع التقليدي  شكلا و مضمونا ، بحيث نظّم شعراء هذه الحقبة في عدّة أغراض من غزل و فخر و مدح و رثاء … ناسجين على منوال القدماء.

في مطلع القرن العشرين برز الرّواد بقصائدهم متأثرين بالنهضة المشرقية الإصلاحية   و الوطنية  و من أشهر الأوّليين الحاملين لمشروع الإصلاح في أشعارهم ، نذكر  : ” المولود بن الموهوب” من مواليد 1866 ، فقد كان تشبعه بالدين و الثقافة الإسلامية دعما له في إتبّاع النهج الإحيائي ، و الفكر الإصلاحي ومن ذلك قوله :

 

صعـــــــود الأسفلين به دهـيـــــنا                  لأنّ المعارف ما هدينــــــــا

رمت أمواج بحر اللّهو منــــــــــّا                  أناسا للخمور ملازيمينــــــا

نعم : إنّا شقينا إذ شقينـــــــــــــــا                 كؤوس الجهل لكن ما روينا

ينادينا الكتــــــــــاب لكـــــــل خير                  فهل كناّ لذلك سامعيـنـــــــا

 

في هذه القصيدة عرض للمتهالكين على شرب الخمر ، و المقبلين على اللّهو ، و القمار ، و الرّبا ودعوة إلى الالتزام بتعاليم الكتاب العزيز. من الشعراء الإحيائيين أيضا نذكر ” سعد الدين بن الخمار”  ،   ” عبد الحق الحنفي ” ، ” عبد الله المجاوي ” و ” أحمد بن كاتب الغزالي” . ولكن أشهرهم في هذه الحقبة هو “عمر بن قدّور : 1866 – 1932 ” ، و الذي ناضل بقلمه و شعره من أجل إزالة غشاوة الضلال و الانحراف الدّيني و الخلقي و الجهل بالإسلام . و من قصائده ” قلب أوّاب ” نظّمها عام 1913 ، مصوّرا الإحساس بالانحراف عند بعض الأئمة الرّسميين الذين وظّفوا من قبل سلطات الاحتلال ، وهم  يضربون الشعب أكثر مما يرشدونه ، متشوّقا في قصيدته هذه إلى اليوم الذي تشرق فيه الشمس  ليرى الإصلاح منبثقا في بلاده ، يقول :

 

قلب لــه أرب أعلى مراتبـــــــــــه              أن يبصر الشعب و الإصلاح يدخله

رحمــاك يا رب كم أنشأت من ذمم              إلاّ و دينـــــك بالأرزاء تمهلـــــــــه

يكــــاد يفنى أسى ممـــــــا أحيط به              لولا أن يــــرى رأفة المولــى تظلله  (39)

 

يمكن القول بأن أشعار هؤلاء الشعراء قد انعكست فيها جوانب من واقع الشعب الجزائري قبيل الحرب العالمية الأولى ، و كانت جل ّ اهتماماتهم تصب في محاربة الخرافات و البدع ، و من أبرزهم  كما أسلفنا : عمربن قدّور، إلى جانب هذا يمكن أن نستشف في شعره تحسّن في الشكل ، و سلامة في اللغة ، و في الوزن ، وصدق العاطفة .

كما يمكن أن نلاحظ خروج بعض الشعراء  الآخرين عن  – و إن كانوا قليلين  – ع المجال الديني الصوفي إلى مجال أوسع منه متصلا كل الاتصال بالشعر و أقرب منه صياغة و تعبيرا .

بعد ما شهدته الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى،  و التي أحدثت تحوّلا عميقا،  إذ مس البلاد: اقتصاديا، و سياسيا،  و ثقافيا … ، و الذي كان بمثابة صدمة قوية كان من شأنها بعث الوعي في عقول الجزائريين ، لتوفيقهم من الغيبوبة التي عاشوها عبر السنين ، لتنبثق بذلك:  ” حركة شعرية أعلنت ميلاد عصر جديد في دنيا الأدب لصالح الشعب في الميدان الاجتماعي ، و تخطفه إلى التجديد في ميدان الأدب : يقول ” رمضان حمود” :

ألا جددوا عصرا منيرا لشعركم        فسلسلة التقليد حطّمها العصر  ” (40)

 

من خلال عرضنا الخفيف عن الشعر في بداية القرن العشرين وجدناه لم يخرج عن إطار الشعر العمودي التقليدي شكلا و مضمونا ، و هذا لا يعني أنّ الشعر بقي على حالة واحدة دون تغيير من حيث اللّغة و الصور و الشكل و المضمون على امتدتد نصف القرن العشرين،  و المتتبع للشعر الجزائري الحديث يلحظ فيه نزعتين : نزعة المحافظة و التقليد،  و التي لها أنصارها،  و نزعة التجديد و التي لها روادها .

 

أ- الاتجـــــــــــاه التقليدي المحافظ :

ارتبطت الحركة الشعرية الحديثة في الجزائر بالحركة الإصلاحية ، التي تأسست سنة 1931 على يد العلامة ” عبد الحميد ابن باديس ” مع قيام جمعية العلماء المسلمين . فقامت المؤسسات التعليمية و الدّينية الإصلاحية ، و التي كان لها الدور الفعّال و التاريخي للحفاظ على إستمرارية تداول اللّغة العربية و صون الدّين الإسلامي الحنيف من كلّ ” مبتدع  لفاق ” ، و هذا لوثوق الصلة بين اللّغة العربية و الدّين للمساهمة  في الوعي الثقافي ، و سرعان ما انعكس ذلك بتأثيرات في الشعر السائد الذي انحصر أغلبه في الأغراض الدينية الإصلاحية .  فتولدت قصائد تندد و تشجب الطرقيين و دورهم الفاسد في المجتمع ، في تشويه معالم الدّين السمحاء ، و تعرية أدعياء الدّين و من هنا كانت الإنطلاقة الأولى للشعر المحافظ ، فوجدنا شعرا ينفض حقدا على المتلاعبين بالدّين ، و التطاول على أسرار الغيب ،و استحلال الخمر …. إلخ، و هذه صورة واضحة عن نشاط الطرقية المنحرفة ، كما يتعرض الشاعر لخضوع العامة لهذا المنطق وإنصياغهم لهؤلاء الطرقيين إلى درجة اعتقادهم بـأنّه الدّين الصحيح .

هذا ” محمد السعيد الزّاهري” الشاعر يعبّر عن موقفه من الصراع المحتذم آنئذ بين المصلحين و الطرقيين، فيقول :

 

كانوا طوائف شتىّ،  كـــــــل طائفة             تطبع شيخا لها في كل مــا زعمـــــــــا

إن قال أنّي ( ولـــي ) صدقوه،  وإن             هو ادّعى الغيب،  قالوا أحكم الحكمــــا

و إن تعلّم بعض الشـــيء تهجيـــــة             قليلـة،  هتفــــــــوا يا أعلــم العلمــــــا

و إن هو ارتكب الفحشــــاء فاضحة             فلا محالـــــــة ، معذور و قد أثمــــــــا

و احتسى الخمر ، قالوا إنــّها عسل             و لا غرابـــة فــي هذا،  و لا جرمــــــا (41)

 

كذا الشاعران  ” حمزة بوكوشة ” و ” الطيب العقبي ” – مؤسس جريدة الإصلاح – فهما أيضا حذا حذو الزّاهري في فضح سلوكات أدعياء الدّين الذين يزيدون على فقر الشعب فقرا و جهالة ، و يزيدون الطين بلّة .

لمّا كان التنديد بالطرقيين و كشف جهلهم و فهمهم الخاطئ للدّين ، كان حريّ بالشعراء أن ينظّموا قصائد تبيّن صحة الدّين و تصحيح كل فهم خاطئ  للإسلام السامي ، فظهر ما يسمّى بالقصيدة الدّينيـة التي كانت  بمثابة البلسم  ، من خلالها يبرز الشاعر التوجه الإصلاحي للحركة السلفية ،و تعظيم المناسبات الدينية من مولد النبوي الشريف ،  موسم الحج ، و ليلة القدر … ، فقد خصص لهذه المناسبات قصائد عدّة  و كلّ شاعر ينظم لها و يمجّد أبطال التاريخ  ، و يحيي الماضي  في شعره ، و من هؤلاء الرّحيل الشاعر   ” الهــــــــــــادي السنوسي ” الذي أنشد في الإحتفال بالمولد النبوي ، الذي يؤكّد من خلال قصيدته توثيق الصلة بالماضي ، و تأكيد البيعة ، و هذا أنموذج منها :

 

هلاّ لك من بين الأهلّة ، لم يخــب          و يومك  في الأيّام ذو عزّة ، رحــــب

و شهرك من بين الشهور كأنّـــه           منارة نور من لوامعها الشهــــــــــب

و عامك عام ، لا تماثله الدنــــى           لخصب المراعي ، زهره منعش رطب

كفى الناس طرا مرتعا ، و كفتهم           أزاهير ريّـــــــا  ، و إن أنكر الغـــرب  (42)

 

كانت رسالة الإصلاح و قتئذ تدعو إلى فكرة الإحياء – أي إحياء التراث العربي – و الرجوع  إلى الماضي ، فـ ” البشير الإبراهيمي ” و ” أبو اليقضان ” دعوا الأدباء  الإصلاحيين إلى العناية بالمخزون الشعري القديم ، ويغرفوا من بحره ، كما دعوهم أيضا إلى العناية بالقرآن الكريم  و إن يتعلّق الشعراء الإصلاحيين بالأدب العربي القديم ، تعلّقا قويا ، فالحركة الإصلاحية أولت اهتماما كبيرا بالتراث العربي القديم على غرار ما كان يحدث في المشرق ، في حركة الإحياء  أمثال  “المازني” و” البارودي ” وغيرهم، و هذا بالفعل ما نشهده في شعرهم  ، إذ نلمس أثر القرآن  الكريم في الشعر الجزائري الحديث  في التعبير و التصوير معا،  و يرى الشعراء الإصلاحيون لغة القرآن الأنموذج الذي يجب الاحتذاء به .

يقول “محمد العيد ال خليفة”  تأثرا بالقرآن :

 

أعيذكم بالله إن تتقسمـــــــــــا                هوى ، فذهاب الريح عقبي التقسيم

 

الآية التي اقتبس منها الشاعر هي : ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم ﴾ . (43)

هذه القصائد التي سردناها آنفا تنصب جميعها في جدول الشعر الديني  ، و شعر المناسبات   الاتجاه الديني يحوي أيضا قصائدا تلهج بالثورة و الوطن ، فألفاظها حماسية اندفاعية تشجّع الثوّار، تبرهن على أن الشعب الجزائري بكل طوائفه لا يزال متمسكا بوطنه  ، و يضحي لأجله بكل غال  و نفيس . و شعراء كثرهم من نظموا في هذا الغرض و كانوا  ينشدون لوطنهم و الثورة ، و  أبرزهم ” مفدي زكريا “  الملقب بشاعر الثورة ، فبقصائده يهاجم المستدمر بأقذع الصفات و يتوعد بالرّد و الهزيمة و هو عقر سجنه ، هذا النشيد يترجم مدى الصخب و الثورة التي في داخله ، و يعبر عن رفضه للإستدمار الفرنسي و التعسف والقهر الذي يلحقه بالشعب الجزائري ، فيقول :

 

اعصفي يا ريـــــاح     و اقصفي يا رعود

وأثخني يا جـــراح     و احذقي يا قيـــود

نحن قوم أبــــــاة         ليس فينا جبــان

قد سئمنا الحياة       في الشقا و الهوان

لا نمل الكفاح     لا نمل الجهاد    في سبيل البلاد(44)

 

كانت مظاهرات 08 ماي 1945 التي أضحت من مظاهرات سليمة  إلى مجازر بشعة على يد المستدمرين ، بكل وحشية و لا إنسانية ، انقضوا على المتظاهرين العزل الذين يطالبون  بحقوقهم الشرعية  فكانت الحصيلة 45 ألف من الشهداء . و امتدت أبعاد هذه الحوادث إلى الشعر الجزائري  ، و هاته الأبعاد إن اتسمت فهي تتسم بالقاتمة و المأساوية ، و خانقة ، فقد انحبست يراع الشعراءأهوالها الرهيبة ، فقد وقف الشعر عاجزا غير قادر على إيجاد التعابير و الصور لوصف المأساة فأصيب الشعر بذهول ووجوم ، و تلك هي الصدمة التلقائية لمثل هذه المواقف على حد تعبير صالح خرفي(45)

“محمد العيد” الذي عرف بشعره الإصلاحي كثيرا و جدناه هو الآخر قد شارك غيره من شعراء الجزائر ، هذا الإحساس بالثورة على المحتل الغاصب و الدعوة الى مقاومته كما في قصيدته  ” الثامن ماي 1945 “  ، و التي عبر فيها عن هذه الأحداث بنبرة استعطاف و استرحام ، و في ذات الأبيات بصيص من الإصرار و الصمود  ، و هذا جزء منها :

 

فيالك من خطب تعذر وصفــــــــــه        فلم تجر أقلام فوق قرطـــــــــاس

و لا خير في عد المظالم وحدهــــا         إذا لم تبن عن مرهفات و أتراس

سئمنا من الشكوى إلى غير راحم          و غير محق ،لا يدين بقسطــاس

فيا أيــّها المستعمرون تنزهـــــوا           ولا تسمو وجه الحياة بأرجــاس(46)

 

القصائد الثورية و الوطنية تتولد عن طريق الأحداث المزرية التي يحياها الشعب الجزائري على جميع الأصعدة .

يمكن أن نخلص إلى القول بأنّ الاتجاه التقليدي المحافظ يتضمن معظمه الشعر الديني ،شعر المناسبات ، و شعر ثوري وطني ، أما الشعر العاطفي فهو لم يحظ  إلا بقليل من الاهتمام و هذا لعاملين أوّلهما  : الثقافة التي كانت سائدة انذاك هي ثقافة محافظة تحتكم إلى التقاليد و العادات . والعامل الثاني يعود إلى الوضع المأساوي الذي تمر به الجزائر من أحداث عظام  ،  فالأولوية لهذه الأحداث و مساندة الثوار والمجاهدين لاسترجاع السيادة الوطنية ، فالمقام لم يسمح لوجود قصائد وجدانية غزلية ، و يؤكد على هذا صالح خرفي حين يفسر عزوف الشعراء عن هذا الغرض فيلخصها في أن : ” النزعة الوجدانية الغزلية في الشعر الجزائري ، عاشت حبيسة عاملين متضافرين  : المأساة الاستعمارية و التقاليد     القومية ” (47)  و في هذا المضمار يقول الشاعر

” محمد اللقاني السائح ” :

ألا فدع التغزل في غــــوان          فتلك طريقة المستهتريـنــا

فمن صوت البلاد، لنا نداء       يكاد المرء يسمعه أنينـــــــــا (48)

 

- أبرز الخصائص الفنية للاتجاه التقليدي :

أ – الطابع التقليدي:

نعني به العودة إلى التراث العربي في الشعر ، و المشي على خطاه و إحيائه ، و طغيان العمودية بقوالبها الرتيبة كانت هي المعيار الذي يعيّر به الشعر آنذاك ، فقد أخذوا الشعر من أفواه القدامى و أمهات الكتب الشعرية التراثية ، و عرفوه كما كان سائدا في التراث العربي القديم أمثال ” معيار الشعر ” لابن طباطبة ” و ” العمدة ” لابن رشيق القيرواني و غيرهم . على أنّه كلام موزون مقفى له معنى .

ب – التعبير المباشر و النبرة الخطابية :

تعامل الشعراء الإصلاحيون مع اللغة تعاملا وطيفيا يقتصر في الغالب على استغلال جانبها المعجمي ذي الدلالة المحددة .

و الشاعر الجزائري ينتهج الأسلوب التقريري المباشر ” وا نتهاج هذا الأسلوب الخطابي الاستنهاضي ليس خاصا بالشعر الجزائري الحديث و لا بدعة فيه ، فقد انتهجه شعراء النهضة الحديثة في المشرق (…) ويتجاوز القصيدة في الجزائر الأسلوب الخطابي صيغة و تعبيرا إلى العناصر التركيبية للخطبة،ن من مقدمة و موضوع و خاتمة و كثيرا  ما تكون دعاء أو سلاما أو آية قرآنية … ” (49)

ج – الوضوح و السهولة :

إن الشعراء الإصلاحيين بحكم نظرتهم التقليدية للّغة ، لم يحاولوا أن يتعاملوا مع اللغة تعاملا غير عادي باستخدام الرمز اللغوي ، و اتيان بعلاقات جديدة بين الالفاظ ، و تعود أيضا هذه السهولة و الوضوح إلى نظرة الإصلاحيين إلى دور الشعر على أنّه أداة من أدوات الإصلاح .

د – التشكيل الموسيقي التقليدي :

ما يلحظه الباحث في الشعر الجزائري الحديث من حيث الموسيقى و الوزن،  هو المحافظة على القصيدة العمودية و الالتزام الواضح بالإيقاع المعتمد على الوزن الرتيب و القافية الموحدة في أغلب الأعمال الشعرية ، وهذا يعني استعمال الأوزان الخليلية التامة و الالتزام بها .

مع هذا الاتجاه التقليدي المحافظ برز اتجاه آخر، و هو الاتجاه الرومانسي ، فالنهضة الأدبية في الجزائر – بالرّغم من الظروف القاسية آنذاك -  كانت تواكب النهضة الأدبية المشرقية  و تتأثر بها ، وأيضا تجاربها في التغيير، كما كان في المشرق الاتجاه الرومانسي ، الذي يدعو في مجمله إلى التغيير والتجديد الذي كان كرد فعل للاتجاه الإحيائي التقليدي كان ذاته في الأدب الجزائري .

 

ب ـ الاتجاه الرومانسي :

ظهر هذا الاتجاه في الجزائر منذ 1925 على يد الشاب اليافع ” رمضان حمود 1906- 1929″ وقد يكون حسب يوسف ناوري  ” أوّل شاعر رومانسي في سماء المغرب العربي ، فقد تمثل نظريا مفاهيم الرومانسية و دعا الى تحرير الممارسة الفردية من القيود التي كبلتها قرونا،و الحاجة إلى التعبيرعن صوت الأنا و إحساسات الفرد حيث يكون الشعر وحي الضمير و إلهام الوجدان أو قلب الطبيعة النابض”(50) . فحمود رمضان هنا يقدم لنا فهما جديدا للشعر على أنّه من الشعور” كان ينطلق من مفهومه للتجربة الشعرية من هذا الاحساس أنه يريد أن يتحول من اهتمامه المسرف بالصنعة الشكلية إلى الاهتمام أكثر بالمضمون .. مضمون يستوعب واقع الأمة العربية ، يتغنى  بآلامها و أمالها ، و أن الأولى بالشعراء أن ينصرفوا عن هذا الشعر الذي يخدم الخواص و أرباب القصور ، إلى شعر يقود الجماهير و يهتم بقضاياهم.” (51) هذا راجع إلى اتصاله بالرومانسية الفرنسية و روادها ، و ترجمته لبعض أعمالهم ، من  “لامارتين” و” فيكتور هيغو” و” لاموني” ، كما تأثر بالمشرقيين أيضا من أمثال ” جبران خليل جبران ” و ” أمين الرّيحاني ” ، حينما دعوا الى الشعر المنثور و يتجلى ذلك في ذهابه إلى أن الوزن و القافية لا دخل لهما في ماهية الشعر . (52) لكن حسب شلتاغ عبود شراد : ” رمضان حمود لم يستطع أن يقدم نماذج تعضد نظرته ، وتساهم في نشر دعوته ، عدا نماذج قليلة من الشعر المرسل ، مثل قوله :

 

بكيت و مثلي لا يحق له البكـــــا           على أمّة مخلوقة للنــــــــــــوازل

بكيت عليها رحمة و صبابـــــــة            و إنّي على ذاك البكا غير نــادم

ذرفت عليها أدمعا من نواظـــــر           تساهر طول الليل ضوء الكواكب (53)

 

جاءت هذه القصيدة على وزن الطويل ، إلا أن الشاعر عمد فيها إلى توزيع الأبيات الشعرية إلى عشر مقطعات ، جاعلا قافيتها خاضعة لتناوب حرف الروي بتوالي الحروف  التالية : اللام ، الميم و الباء . و يكاد أن يقترب في هذا إلى عبد الرحمان شكري .

هناك محاولات لحمود  في التحرر من الوزن و يتجلى هذا في قصيدته ” يا قلبي ” : منها

 

أنت يا قلبي فريد من الألم و الأحزان و نصيبك في الدنيا الخيبة و الحرمان

أنت يا قلبي تشكو هموما كبار ا ، و غير كبار

أنت يا قلبي مكلوم ، و دمعك الطاهر يعبث به الدهر الجبار

ارفع صوتك للسماء مرة بعد مرة

و قل اللّهم إن الحياة مرة  (54)

 

وزع رمضان حمود الأبيات إلى مقاطع مختلفة ، عامدا في بعضها إلى التحرر من كل وزن     عروضي ، و في بعضها نسج شعرا مرسلا منوعا في القوافي .

يمكن القول أن هذا الكاتب و الصحفي القدير : رمضان حمود الذي سطع نجمه في سماء العشرينيات في الجزائر  -  رغم أنه لم يعمر إلا ثلاثة و عشرين عاما  -   كان من الرّواد الذين نفثوا أنفاس الثورة العارمة في الشعر بعد حماسة الأمير عبد القادر على اختلاف في فنّهما ، فقد كان قلم الكاتب حمود المشعل في ميدان الصحافة   في مثل شعلة انفعاله في قصائده للحث على الثورة و شحن الشعور الوطني ، و الدّعوة إلى الجهاد في غير تستر : فيقول :

 

لن ينال العز شعب كالجماد             فقد الإحساس خال من شعور

لن ينال المجد شعب بالرقاد            يترك اللب و يعنى بالقشــــور

إنما المجد قرين الجهـــــاد             ووئام و ثبات في الظهــــــور (55)

 

وظف الشاعر معجما لغويا في غاية الجراة و الحماسة ، و استعمل لهجة التحريض ، و هذه اللهجة و الغضب الشعبي نجده عند الشاعر “محمد الهادي السنوسي” الذي أدهش النخبة المثقفة ، بوعيه المبكر ، و شعره الثوري النضالي .

إذا تحدثنا عن الممارسات الرومانسية في الشعر الجزائري ، نجدها لم تتحقق إلا مع “مبارك جلواح العباسي ” و ” عبد الكريم العقون ” و ” الطاهر بوشوش” و ” عبد الله الشريط ” …الخ. معتمدين في قصائدهم على تصورات رمضان حمود ، و ساعدهم في ذلك  أيضا إعجابهم بالأدب المهجري ، و بأدب جبران خليل جبران ، و بشعر أبي القاسم الشابي .(56)

في فترتي  الأربعينيات و الخمسينيات برز الشاعران : ” مبارك جلواح ” و” أحمد سحنون” بنظرة رومانسية ، تجلت في شعرهما نغمة الألم الذاتي و التغني . مع ممارستهما آلت القصيدة إلى إنشاء اتجاه يعتمد العناصر الرومانسية في فهم الشعر و بنائه ، ليترجم بذلك إحساسات الفرد تجاه الحياة  من يأس و أسى ، و معاناة و آلام ، إذ نجد مبارك جلواح العباسي يقول في قصيدته ” الذكريات ” :

 

أعبسي و تبسمــــي إن نفســـــي              سئمت من جميع شجو و أنــس

غادرت غرفة الرجا و اختفت عن             حقل الدهر في ديـــاجير يـــــأس

لا تبــالي بمـــــــا يعم البرايــــــا               من سيعود أو من غياهب نحس

 

ثمة قصائد في هذا الاتجاه في ديوانه المخطوط  ” رماد اليأس ” ، بلغ به الأمر إلى حد طلب الموت و الانتحار .

- أبرز الخصائص الفنية للاتجاه الرومانسي :

إذا ما عرجنا للحديث عن اللّغة الشعرية في هذا الاتجاه ،وجدنا أنها أثرت المعجم الشعري بمفردات جديدة ، بتطورها ، و أدخلت بعض التراكيب اللغوية ذات الدلالات الموحية التي لم يسبق استعمالها من قبل الشعراء  التقليديين المحافظين . و من أمثلتنا عن هذا قول مفدي زكريا واصفا لقسنطينة  :

 

وانزل بدارات سيرتا مطرقا أدبا             فبين أضلعها آباؤنا الصيد

قد ضمك الطود الأشم لصـــدره              و تعطف الوادي عليك فمالا

 

في هذه القصيدة نجده يستعمل ألفاظا لا يجرؤ الشاعر المحافظ على استعمالها : أنفاس الحسان ، المراقصة ، خاصرته و خاصرها ، ذات الدلالات  العاطفية .

أما فيما يخص الموسيقى الشعرية ، فقد تطورت بشكل واضح في أشعار هؤلاء الشعراء أمثال    “محمد الأخضر السائحي” ، ” الطاهر بوشوشي”، “أحمد سحنون” …. و غيرهم ، متأثرين في ذلك بالشعراء المهجريين و جماعة أبولو ، وذلك بتنويعهم لموسيقى القصيدة و نظام القافية ، هكذا خرجت القصيدة الحرة من رحم القصيدة الرومانسية .

 

2- حركة الشعر الحر (1954 – 1960 ) :

أ – البداية و الظروف :

انطلاقا مما قدمناه آنفا ، فيما يخص الشعر الجزائري الحديث قبل الثورة خاصة ، كان الشعر في تلك الفترة  يتسم بطابع الكلاسيكية ، سواء على صعيد المبنى و المعنى فكلاهما يجريان في مجرى واحد ، و هو التقليدية ، فبقيت الأغراض تدور في الفخر و الهجاء ، و المدح … ، التي لا تغني و لا تسمن قضية الإنسان الجوهرية ، التي تتبلور من الرؤية السطحية للعالم إلى التغلغل في أحشائه هذا على الصعيد المضامين ، أما إذا التفتنا إلى الشكل ، فيبدو أنّ شعراء هذه المرحلة كانوا حريصين كل الحرص على تطبيق قواعد الخليل الموسيقية ، ـ إلا ما ندر ـ التي تتلخّص في البحور الشعرية المعروفة و اقتفاء أثر القافية المطردة .

و فيما يخص الصور الشعرية تكاد تكون منعدمة ، لاعتمادهم على الأساليب التقليدية ، من      ( تشبيه ، و سجع ، و طباق  و جناس … ) و إذا صحّ القول فإنّهم أعادوا إنتاج المنتوج ؛ أي أنّهم قاموابعملية مونتاج ميكانيكي ليس إلاّ . و كحوصلة عامة يمكن حصر تفاصيل واقع الشعر الجزائري قبل الثورة التحريرية في النقاط التالية ، و التي حددها ” أزراج عمر ” :

٭ كان الشعراء الجزائريون آنذاك ينقلون الواقع القائم نقلا كاميراويا .

٭ يواكبون الأحداث و يكتبون عنها بسرعة و سطحية لعدم انصهارهم في أتون قضية كبرى من خلالها يشكلون مواقفهم تجاه القضايا الملحة و التي تفرض نفسها على وجودنا .

٭ انفصام شخصيات أغلبية الشعراء حيث تجد الشاعر الواحد منهم يمدح آخرين و يهجو آخرين و يتغزل بحبيبته لا و جود لها إلا فيما ندر فهذا الشاعر المنفصم الشخصية ليس الشعر عنه نسيج العالم و نبضه ، و ليس لغته و طبيعته و صوته بقدر ما هو وصف خارجي لعالم ما ، أو الحالة من الحالات .

أما على صعيد الشكل ، فإن إنتاجهم ظلّ أمينا لمناخات القصيدة العربية الإنحطاطية ، إذ يلتزمون النظام الخليلي الموسيقي و يشبهون الأشياء بالأشياء على طريقة شعراء عصور الإنحطاط ، هناك مسافة بين المشبه و المشبه به فهذه المسافة بالضبط هي أزمنة القصيدة (…) في حين أن الصور الشعرية الحديثة تسعى للتوحيد بين الأشياء لامتلاكها و النقاد إلى داخلها ، أي أنّ الصورة الشعرية العصرية حطّمت جدار الثنائية القائمة بين الشعر و العالم ، و بين الذاتي و الموضوعي . ” (57)

إنّ مردّ تأخّر ظهور التجربة الشعرية الجديدة في الجزائر عن مثيلاتها في في المشرق ذلك أنّ ” الأرضية التي بسّطتها الترجمة في المشرق للشعر الحر ، لم تتح للشاعر الجزائري الذي وقف من الثقافة الفرنسية موقف العداء ، فلم يحتك بها إلا في وقت متأخّر ، و بالرغم من النداءات المبكرة التي رفعها ” رمضان حمود ” في العشرينات للأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية ، و النّهوض بالأدب العربي عن طريق الترجمة ، فإنّ طابع القطيعة كان و لا يزال يفوّض نفسه على الثقافة العربية و الفرنسية في الجزائر ” (58).

إن ّ مقالة ” رمضان حمود ” الموسومة بـــــــ ” الترجمة و تأثيرها في الأدب ” كانت تنمّ عن الوعي الثقافي ، و مدى الحاجة الملحة للتغيير ، إلى أنّ قصر عمر ” رمضان حمود ” الذي كان رائد الاتجاه الرومانسي في الجزائر ، لم يسمح بتبلوره ، و بقي هذا التيار غير مكتمل الملامح في الجزائر .

إلاّ أنّ الأثار التي تركها الصدى العميق في حركة الشعر الحر ، و من أهم القصائد التي نظّمها   ” يا قلبي ” التي تبدو محاولة جدّية للتخلص من الوزن و القافية  ” و لعلّ هذا ما دفعه إلى القول بأنّ الوزن و القافية أغلال حديدية تكبّل الشعر الحر و لا تطوّره ،  و غاية أمرها تحسينات لفظية  اقتضاها الذوق و الجمال .و مهما يكن من أمر فإنّ ” حمود رمضان ” استطاع أن يحدث نمطا جديدا في الموسيقى الشعرية ببعض المحاولات التي لم يمهله القدر لتنميتها ” . و هذا جزء من قصيدته      ” يا قلبي ” :

 

أنت يا قلبي فريد في الألم و الأحزان

و نصيبك في الدنيا الخيبة و الحرمان

أنت يا قلبي تشكو همة ما كبارا ، و غير كبار

أنت يا قلبي مكلوم ، و دمك الطاهر يبعث به الدهر الجبار

ارفع صوتك للسماء مرّة بعد مرة

و قل اللّهم أنّ الحياة مرّة

أعنّي اللّهم على اجتراعها (59)

 

من خلال شعره نلمح ذلك الإحساس الرومانسي الحزين ، ذو طابع مختلف إلى حدّ ما ” و في ذلك تهيّئات لدوافع التغيير لدى الشعراء تلمّسوها في الأطلاع و الانفتاح على ما كان يصدر من المركز الشرقي كما أشار إلى ذلك الشاعر ” أبو القاسم سعد اللّه ” 1930 ، فيما قاله عن حدث الشعر و كتابته لقصيدته الأولى و نشرها في البصائر بتاريخ 25 مارس 1955 ” .(60)

و قد أخذنا مقولة ” أبو القاسم سعد اللّه ” عن تجربته الأولى في الشعر من كتابه ” دراسات في الأدب الجزائري الحديث ” و فيها ما يلي : ” كنت أتابع الشعر الجزائري منذ 1947 ، باحثا فيه عن نفحات جديدة و تشكيلات تواكب الذوق الحديث ، و لكنّي لم أجد سوى صنم يركع أمامه كل الشعراء بنغم واحد ، و صلاة واحدة ، غير أنّ اتصالي بالإنتاج الأدبي ، و المدارس الفكرية و النظريات النقدية حملني على تغيير اتجاهي  و محاولة التخلّص من الطريقة التقليدية في الشعر ” .(61)

انطلاقا مما قاله المؤرّخ ” سعد اللّه ” يمكن أن نلاحظ  أحد أسباب ظهور الشعر الحر في الجزائر، و هو الاحتكاك بالمشرق و إطلاع بعض الشعراء على هذا اللّون الشعري الجديد من خلال دراستهم في كلّ من ” مصر و لبنان ” .

أمّا العامل الهام الذي دفع بشعراء الجزائر إلى الشعر الحر هو الثورة ، فبانطلاق الرصاصة الأولى للثورة في ليلة أوّل نوفمبر التي تعلن عن فجر جديد للجزائر على جميع الأصعدة ، فانطلقت التجربة الشعرية الجديدة ، لتساوق الأحداث آنذاك ، فالثورة كفيلة لتدفع الشعراء إلى البحث عن طريقة جديدة للتعبير عنها  ، ” و بذا أتاح الشعر الجديد للشاعر فرصة التعبير عن تجاربه بحرية (…) فأصبح يشكّل القصيدة وفق تجربته الخاصة و حسب الموسيقى  كما يحسّها في نفسه و بما يتلاءم و الرؤية الجديدة للواقع المتغيّر … “.(62)

كما ربط ” يوسف ناوري ” بداية الشعر الحر في الجزائر بعامل آخر ، و هو العامل النّفسي ” أي برغبةٍ عبّرت عنها الحاجة إلى بيت ٍ يحرّر ذات الشاعر من قيود القصيدة القديمة ، و يسمح له بتمثيل الشرائط التاريخية ووقعها على ممارسته الفردية ، و حتى و لو كانت ردّة فعل نفسية انتقلت إليه من الأثر الرومانسي “.(63) فالحالة النفسية للشعراء آنذاك تتوق للتحرر، و إخراج كل تلك الانفعالات التي التي فرضها ذاك الجو المضطرب .

لا ننسى أن نذكر  مجلّة ” اللآداب ” التي ساهمت في ظهور الشعر الحر في الجزائر و انتشاره ، وذلك من خلال نقلها التجارب الجديدة في ميدان الشعر و تشجيعها للعمل الأدبي ،فتأثّر بها جيل الشعراء الروّاد ، كما تأثّربها القرّاء خاصة الشباب في تلك الفترة .

 

ب- القصائد الأولى مع رواد الشعر الحر :

” طريقي ” أوّل قصيدة حرّة في مشوار الشعر الحر في الجزائر لــ ” أبي القاسم سعد اللّه ” التي نشرها في ” البصائر ” في 25 مارس 1955 ، و هي من بحر” الرمل ” ، جاءت على ستة مقاطع ويعبّر من خلالها عن التغيّرات الجذرية التي طرأت على البلاد من ثورة و كفاح و نضال ، و اختياره لطريق النضال ، و هذا بعض منها :

 

يـــــــــا رفيـــــــــــــــــــقي

لا تلـــــــــــــمني عن مروقــــــــــــي

فقد اخترت طريــــــــــــــــــــــــــــقي !

* * *

و طريــقي كالحيــــاة

شائـــــــــــك الأهداف مجهول السيمات

عاصف التيـــــــــــّار و حشي النضال

صاخب الأنــــــــــــــــات عربيد الخيال

و ظلام و شكــــــاوى و وحــــــــول

تتراى كطيـــــــــوف

من حتــــــــــوف

في طريـــــــقي

يا رفيـــــــقي !(64)

 

قد لقيت ” طريقي ” قبولا و استحسانا لدى الشعراء ، فتوالت القصائد الحرّة ، و هذا ” أبو القاسم خمّار ” بقصيدته  ” الموتـــــــــــــــــورة “  من ديوانه  ” أوراق ” ، و التي يصف فيها حال لاجئة فلسطينية ، و هي من بحر ” المتقارب ” ، و جاءت على ثمانية مقاطع ، و هذه بعض مقاطعها و التي نظّمها و هو في ” سو ريــــــــــا ” و بالتحديد في ” حلب ” ، و ذلك في سنة 1954 :

 

كحبل  وريــــــد . .

قريب . . بعيــــــــــد . .

هناك من خيمة نازحة

إلى جانب قرية نائحة

هنالك خلف القبور العراة

بين المآسي ، لفح السراب

بدت عائدة

بقبضتها كمشة من تراب

تزاحمها صخرة صامتة

و قد هتفت بريق عجيب

كلون اللّهيب . .

كلحن الألم

* * *

إلام . . الشّقاء  . . ؟

لماذا تحاربني يا زمان . . ؟

أمّا فيك إشراقة أو حنان . .

قلت أبي ، و أضعت أخي

أبقيتني ذرة شاردة ،

ألاقي الهوان

و أزحف فوق السنان

و تعصف بي زفرة عاتية

شرود، سقام، فتوق

و آهة قلب مشوق ،

و ذل العقوق ،

و ظلم الأمم (65)

 

أمّا  ” محمد عبد القادر الأخضر السائحي ” ، فأوّل قصيدة قالها في هذا النمط الشعري تحت عنوان  ” حنيــــن ” ، و قد نظّمها و هو بتونس في  4 أفريل سنة 1953 ، ويستحن فيها إلى بلاده ، و إلى كلّ حبيب تركه فيها ، و يهفو إلى كلّ شيء لديه  و هذا جزء منها :

 

حبيبي ،

من القلب قلبي ،

إليك .

حنيني ووجدي

حبيبي

أحنّ إلى كلّ شيءٍ

لديك . .

حنيني

إلى وطني إلى حفنةٍ من ترابه

حنيني

إلى زهرة ذات عطرٍ

لديـــــــك . .

 

فؤادي

من الذكريات

يضني الطريق البعيدة

فؤادي

مشوق إلى كلّ شيء

لديك .(66)

 

الجدير بالذكر أنّ الباحثين قد قسّموا التجربة الشعرية الجديدة في الجزائر إلى مرحلتين  :

مرحلة الثورة ( 1954 ـ 1960 ) : و التي هي محور بحثنا ، و مرحلة الاستقلال التي تنقسم إلى فترتين :

أ : الفترة الأولى الممتدة من 1962 إلى غاية 1968 .

ب : الفترة الثانية الممتدة من 1968 إلى غاية 1974 .

سنخص ّ بالذكر ” مرحلة الثورة  : 1954 ـ 1960 ” إذ ظهر جيل الشباب في هذه الفترة ، و كان معظمه خارج القطر الجزائري ، لغرض الدراسة حيث وجدوا كثيرا من الحريّة الفكرية ، ووسائل النشر ، كما احتكوا بنظرائهم من المشارقة .

 

خاتمة:

اتّسمت هذه المرحلة بكثرة الإنتاج الشعري ، و نذكر من الشعراء ” أبو القاسم خمار ” ، أبو القاسم سعد اللّه ” ، ” محمد صالح باوية ” و ” أحمد الغوالمي ” ، و قد ذكرنا بعضهم في أولى قصائدهم التي نظّموها  في الشعر الحر . ” و قد بلغ نتاج هؤلاء الشعراء قمّته في هذه الفترة ما بين 1954 و 1960 . لقد وجد هؤلاء الشعراء في الشعر نفيسا عن الرغبة العارمة في أن يكونوا بجوار المجاهدين على أرض الوطن فشحنوا كلماتهم بكلّ ما استطاعوا من صدى ، بحيث أصبحت الكلمة لديهم تعبيرا عن الطلقة التي يوجّهها إخوانهم إلى صدور المحتلّين داخل الوطن  ، لقد أرادوا أن يساهموا مساهمة فعّالة في إنجاح الثورة حتّى لا تتعرّض للانتكاسات التي وقعت فيها الثورات السابقة لثورة نــــــوفمبر” .(67) و بهذا تأتي حركة الشعر الحر في الجزائر نفسا جديدا في الشعر الجزائري ، و تطلّعا غير مألوف في المقاييس التقليدية ، و  ثلمة يتعيّن سدّها  في الأدب الجزائري عامة ، ليواكب التطوّرات التي طرأت في الأمم المجاورة ، و ألاّ يكون المتلقي الجزائري غائب عن الواجهة الأدبية المحليّة و الدولية أيضا .

 


 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- صالح خرفي : الشعر الجزائري , الشركة الوطنية للنشر و التوزيع , الجزائر ,د.ط , د.ت, ص26.

(2)- شلتاغ عبود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر  . ص 13

(3)- شلتاغ عبود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر، ص16

(4)- شلتاغ عبود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر، ص18

(5)- شلتاغ عبو شراد : حركة الشعر الحر في الجزائر : ص 20 .

(6)- لونّاس شعباني : تطوّر الشعر الجزائري  منذ سنة 1954حتى سنة 1980 . ديوان المطبوعات الجامعية . الجزائر ، د.ط ، د.ت . ص 11 .

(7)- العربي الزبيري : تاريخ الجزائر المعاصر  ، ج 1 -  دراسة  من منشورات  إتحاد الكتاب العرب . دمشق . د،ط . 1999

(8)- عبد الملك مرتاض، نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر 1925-1954، الشركة الوطنية و التوزيع، الجزائر، الطبعة الثانية 1983، ص40

(9)- عبد الملك مرتاض : نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر: 1925- 1954 . ص 45 . نقلا عن : الشهاب : ج 9  م 10 – عدد غشت 1934 . ص 41

(10)- صالح خرفي : الشعر الجزائري . الشركة الوطنية للنشر و التوزيع . الجزائر. د،ط.د،ت .الملحق الشعري ص 29. أخذ من : جريدة البصائر عدد 10/ 13 أكتوبر 1947  .

(11)- لوناس شعباني : تطوّّر الشعر الجزائري منذ سنة 1945 حتى سنة 1980. ص 14 .

(12)- شلتاغ عبّود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر. ص 24.

(13)- عبد الملك مرتاض : نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر . ص 121. 

(14)- المرجع نفسه . ص 121.

(15)– لونّاس شعباني  : تطوّر الشعر الجزائري منذ سنة 1945 حتى سنة 1980. ص 14.

(16)- صالح خرفي : الشعر الجزائري . ص 17 .

(17)- لوناس شعباني : تطوّر الشعر الجزائري منذ 1945 حتى سنة 1980 . ص 16.

(18)- محمد الطمار : تاريخ الأدب الجزائري . صدر عن وزارة الثقافة بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007. سحب الطباعة الشعبية للجيش : الجزائر 2007 ، ص 388 .

(19)- أبو القاسم سعد الله : دراسات في الأدب الجزائري الحديث. المؤسسة الوطنية للكتاب . الجزائر. د، ط .1985. ص 22. 

(21)- المرجع نفسه. ص 22.   

(22)- محمد الطمّار : تاريخ الأدب الجزائري .ص 389.388

(23)- صالح خرفي : الشعر الجزائري . ص 13 .

(24) - أبو القاسم سعد اللّه : دراسات في الأدب الجزائري  الحديث . ص 24 .

(25)- المرجع نفسه .ص 25 .

(26)- المرجع نفسه . ص 25.

(27)- أبو القاسم سعد الله : دراسات في الأدب الجزائري الحديث . ص 26 . 

(28) - أبو القاسم سعد الله : دراسات في الأدب الجزائري الحديث . ص 23.

(29)– المرجع نفسه، ص 24.

(30)- ينظر: واسيني الأعرج: اتجاهات الرواية العربية في الجزائر. المؤسسة الوطنية للكتاب .الجزائر.1980.ص65-66.

(31)- و اسيني الأعرج : إتجاهات الرواية العربية في الجزائر . ص 66.

(32)- ينظر: أبو القاسم سعد اللّه : دراسات في الأدب الجزائري الحديث ، ص 28 .

(33)- شلتاغ عبود شرّاد :حركة الشعر الحر في الجزائر.ص 26. نقلا عن : البصائر 2 ، العدد 213/16 جانفي 1953، ص 3.

(34)- ينظر : المرجع نفسه ص 27

(35)- محمد الطمار : تاريخ الأدب الجزائري . ص 256 .    

(36)- المرجع نفسه . ص267-268 . 

(37)- ينظر : المرجع نفسه . ص 268.، 269.  

(38)- ينظر : عثمان حشلاف : محاضرات في الشعر الجزائري الحديث و المعاصر : المدرسة العليا للأساتذة ، في الآداب و العلوم الإنسانية  . بوزريعة . الجزائر . ص من 11 إلى 14 ..

(39)- عثمان حشلاف : محاضرات الشعر الجزائري الحديث و المعاصر . ص  : من 12 إلى 23 .

(40)- لوناس شعباني : تطوّر الشعر الجزائري منذ سنة 1945 حتى سنة 1980 . ص 17.

(41)-  صالح خرفي : الشعر الجزائري .ص 37  .

(42)- المرحع نفسه ، الملحق الشعري ، ص 15.

 

(43)- القرآن الكريم : سورة الأنفال الآية : 46.

 (44)- صالح خرفي : الشعر الجزائري  . ص 208 .

(45) - ينظر :  صالح خرفي : الشعر الجزائري . ص 212 .

(46)- المرجع نفسه .ص213 .

(47)- المرجع نفسه . ص 290

(48)- المرجع نفسه . ص 291.

(49)- صالح خرفي : الشعر الجزائري . ص 343 .   

 

(50)- يوسف ناوري الشعر الحديث في المغرب العربي (الجزء الاول ) . دار توبقال للنشر. دار البيضاء . المغرب .ط .1. 2006. ص 191-192 .

(51- محمد ناصر : رمضان حمود . حياته و آثاره . المؤسسة الوطنية للكتاب . الجزائر . ط.2. 1985. ص 62-63.

(52)- ينظر : صالح خرفي : الشعر الجزائري . ص 340.

(53)- شلتاغ عبود شراد :  حركة الشعر الحر في الجزائر . ص 62.

(54)- محمد ناصر :  رمضان حمود . حياته و اثاره . ص 186.

(55)- محمد الطمار : تاريخ الادب الجزائري .ص 291.

(56)- ينظر : يوسف ناوري : الشعر الحديث في المغرب العربي ( الجزء الاول ) . ص 204 .

 

(57)- أزراج عمر: الحضور في القصيدة. المؤسسة الوطنية للكتاب . الجزائر 1983 . ص 19-20.

-   صالح خرفي: الشعر الجزائري الحديث-  الشركة الوطنية للنشر و التوزيع،ص .352(58)

(59)– محمد ناصر :رمضان حمود حياته و آثاره . ط 2 . المؤسسة الوطنية للكتاب . الجزائر .1985 . ص 186.

- شلتاغ عبود شراد : حركة الشعر الحر في الجزائر . ص 63 .(60)

- أبو القاسم سعد الله : دراسات في الأدب الجزائري الحديث . ص 47-48.(61)

- عبد الله الركيبي : الأوراس في الشعر العربي . الشركة الوطنية للنشر و التوزيع . الجزائر . 1982. ص 69.(62)

- يوسف ناوري : الشعر الحديث في المغرب العربي .الدار البيضاء .دار توبقال للنشر . ط 1 . ج 2 . 2006 .ص 31.(63)

- أبو القاسم سعد الله : ثائر و حب . منشورات دار الأدب .بيروت ط1 .مارس 1967 . ص 11-12 .(64)

- أبو  القاسم خمار : أوراق . الشركة الوطنية للنشر و التوزيع . الجزائر . ص117-118 (65)

(66)- محمد الأخضر عبد القادر السائحي : ألوان من الجزائر . الشركة الوطنية للنشر و التوزيع .ط2 . الجزائر.ص 12-13.

- شلتاغ عبود شراد : حركةالشعرالحرفيالجزائر .ص 73-74 .(67)

 


 

*كديرا ليندة باحثة جامعية الجزائر

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات: 6 تعليقات
قل كلمتك
  1. منصف قال:

    ونعم النساء انت يا استاذة

  2. جميل ناصف قال:

    شكرا لك على هذه المقالة التي مكنتني من التعرف على الشعر الجزائري بطريقة منظمة ويسيرة..

  3. كنت بحاجة إلى مقالة غزيرة المعلومات …شكرا ومزيدا من المقالات في تاريخ الأدب الجزائري وتشكلاته البنيوية

  4. مونية قال:

    شكراااا لكى على مجهودكى الرئع

  5. فليز قال:

    شكرا على هذا المقال الرائع. هل هذا المقال رسالة الماجيستر؟ أو شيء مثل ذلك؟ على كل حال استفدت كثيرا، بارك الله فيك

  6. الأستاذ بلقاسم قال:

    أستاذتي
    مقال جدير بالقراءة و اعتماده بحثا في رسالة تخرج…دمت وفية للفكر و الأدب…مزيدا من التألق…شكرا

اترك تعليقا