جنس بلا نسل…؟ / منير مزليني
بواسطة admin بتاريخ 18 مارس, 2022 في 02:57 مساء | مصنفة في جدل ثقافي | لا تعليقات عدد المشاهدات : 492.

المشتغل بالحقل الاجتماعي أو الأدق بالحقل الثقافي الاجتماعي يلحظ جملة من التغيرات التي طرأت على المجتمع وحولت بوصلته من النقيض إلى النقيض بالنظر إلى أعرافه وعاداته وتقاليده المعهودة السابقة. وعلّ الجيل الجديد أحدث هذه الطفرة أو هذا الشرخ بفعل التغيرات الجذرية الحاصلة في الساحة العالمية أو بتأثير من ثقافة الهيمنة الرائجة في مختلف المجالات التواصلية والتربوية والإعلامية السائدة. وقد يرى الاجتماعيون المختصون أن هذه الظاهرة عادية وأن المجتمعات تتطور وتتغير ثقافاتها بفعل الاحتكاك أو التثاقف بين المجتمعات والحضارات المختلفة، لاسيما في زمن العولمة التي تصف نفسها بالقرية الصغيرة.

إلا أن ما يجب الوقوف عنده والانتباه إليه عند ذكر كلمة تطور، أن للتطور وجهتان؛ وجهة إيجابية ووجهة سلبية. تماما مثل الحالة المرضية، فقد تتطور الحالة نحو الإيجابي والتماثل للشفاء ولو أنها طبيا تحمل الإشارة السالبة (-)، كما تتطور نحو السلب وتزداد خطورة وتفاقما، ويرمز لها طبيا بإشارة (+)، هذا إذا ما تحدثنا بشكل عام. وفي حالة دراسة المجتمعات، فهناك الجانب السياسي والجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي والجانب الثقافي وغيرها.. وما يهمنا في هذا السياق هو وضع الثقافة الاجتماعية لهذا المجتمع. وبالتدقيق مسألة ” الجنسنة وتأثرها على النسل” لدى شباب اليوم وعلاقاته الاجتماعية الحميمة، لما لدى هذا الموضوع من أهمية بالغة وأثر خطيرة على مصير هذا المجتمع ومستقبله، على أساس أن النشأ هو مستقبل كل مجتمع.

وبعيدا عن التأويلات المغرضة والمخطئة وعن القراءات السطحية للموضوع، لاحظت أن هذا النشأ يعاني من مشكلات نفسية وعضوية خطيرة، تتعلق بعلاقته مع الطرف الآخر. حيث المتأمل في الحراك الاجتماعي لهذا النشأ وثقافته العاطفية والاجتماعية أنه غير منجذب لبعضه البعض بشكل طبيعي. حيث تجد الفتيات اسرابا، أسرابا يتجولن مع بعضهن البعض في كل مكان، في الساحات العامة والخاصة بكل حرية وطلاقة ليل نهار. وبالمثل يفعل الفتيان. كل مكتف بذاته ومنكفئ على نفسه أو جنسه. إلا أن هذا الانكفاء والاكتفاء بالذات وعدم الاختلاط الجنسي لا يحدث بفعل التعاليم الدينية أو تطبيقا للأعراف والعادات الاجتماعية، ولكن بفعل البرود العاطفي الذي يعاني منه هذا الجيل، الذي لا يعرف الحب ولا يتذوق حلاوته ولا حرقة عذاباته الرومانسية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد العاطفي الوجداني المعنوي فحسب، بل يتعداه لما هو أدهى وأخطر وهو البرود الجنسي أو كما يعبر عنه اصطلاحا بالعنة الجنسية لدى الذكور والبرود الجنسي لدى الاناث، وانتشار ظاهرة عدم الرغبة الجنسية في الوسط الشباني، وهذا ما يشكل خطرا واختلالا في التوازن الطبيعي لبقاء الجنس والحفاظ على سلالة المجتمع.

حيث تلاحظ بأن شباب هذا الجيل إناثا وذكورا يقدسون المادة ويتباهون بالمظاهر الخارجية، بلهين أو غير مبالين بالجوانب الروحية والمرتكزات المعنوية. مثل الحب والولاء والانتماء وغيرها من الارتباطات الإنسانية والروحية السامية. وهذا ما يشكل خللا في التوازن البشري والمجتمعي على أساس أن الانسان روح لا جسد فحسب، ومتطلباته الروحية والمعنوية لا تقل أهمية إن لم نقل تفوق أو تتفوق على المتطلبات المادية والجسدية البيولوجية قيمة وضرورة.

لكن قد يطرح أحدهم سؤالا وجيه مفاده: كيف خبرتم هذه المشكلة؟ وما هو دليلكم على ذلك؟

المؤشرات والقرائن كثيرة، وعلّ التقارير الطبية المختصة المطالبة بدق ناقوس الخطر بهذا الشأن مخبأة في الأدراج لأسباب سياسية أو لأخرى قد تعقلونها بفراستكم. لكن معالم هذه الظاهرة جلية وواضحة من خلال الملاحظة المجرة في مجريات العلاقات الاجتماعية، مثل العزوف عن الزواج من كلا الجنسين، اختفاء ظاهرة العشاق والمتحابين من الساحة، قلة أو ندرة العلاقات العاطفية بين الجنسين والمرتكزة على الانجذاب النفسي الوجداني أو حتى البيولوجي؛ النزوع والرغبة في تغيير الجنس؛ انتشار الانحلال أو الانحراف الجنسي كالمثلية والشذوذ الجنسي وغيرها.. ولهذا الأمر أسبابه الموضوعية والعلمية التي سوف نأتي على ذكر بما تيسر لنا منها:

الأسباب الصحية:

يرى الأطباء المختصون أن أسباب هذا البرود الجنسي والعنة الجنسية راجع إلى مجموعة من الأمراض المزمنة التي تصيب الانسان منها:

أولا ـ الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، مثل: (ضغط الدم المرتفع، السكري، تصلب الشرايين، أمراض القلب، أصابات في العمود الفقري التي تصيب الحوض، وجراحات المثانة وغيرها…)

ثانيا: حالات نفسية، مثل: (القلق، الاكتئاب، والمشاكل بين الزوج والزوجة..)

إلا أن هذه الحالات والأسباب لا تعكس الحجم الذي بلغته هذه المسألة حتى أصبحت ظاهرة صحية واجتماعية خطيرة، باتت تتطلب وجوب إعلان حالة طوارئ صحية أو حالة حرب بيولوجية خطيرة تستهدف المجتمع وتحاول إبادة نسله؛ الأمر الذي يتطلب توسيع المدارك والبحث عميقا وبشكل أكثر توسعا وتدقيقا.

أسباب اجتماعية:

قد يرجع البعض ظاهرة العزوف عن الزواج بسبب الوضع الاجتماعي المعجز، من فقرة وبطالة وعدم توفر الوسائل المادية، مثل السكن والمتطلبات المادية المحققة لتلك العلاقة الاجتماعية وخلق اسرة جديدة تتكفل بتربية ورعاية أطفال والتكفل بهم.

لكننا نعلم جميعا أن كل تلك الأمور ـ على أهميتها وضروريتها ـ في حقيقة الأمر ما هي إلا مجرد تبريرات نفسية لاشعورية ترجع أسبابها إلى فقدان الرغبة في الارتباط والدخول في علاقة جدية تحتم علينا التزامات ومسؤوليات اجتماعية واقتصادية وبيولوجية لا نقدر عليها أو أننا لسنا مستعدين لها نفسيا وبيولوجيا؛ ودلائل ذلك كثيرة يمكن أن نذكر أهمها:

ـ الفقر والبطالة وغيرها من الحاجيات المادية هي ظاهرة مشتركة بين جميع المجتمعات وفي كل العهود والأزمان ومتواجدة، وهي لم تمنع تلك المجتمعات على اختلافها من التزاوج وبناء الأسرة والحفاظ على النسل، مع ملاحظة أن لكل طبقة عاداتها وتقاليدها وبحسب امكانياتها المتوفرة. ورغم أن هناك من الطيور من يبني مسبقا عشه الذي يدعوا إليه بعدها شريكته، إلا أن أغلب الطيور تبني عشها سويا قشة، قشة وفي ذلك متعة وتماسك قوي وربط متين لتك العلاقة المقدسة.

لكن في هذا العصر الفرد يريد أن يكسر تلك القاعدة الاجتماعية والطبيعية السائدة والمتمثلة في الطبقية أو التفاوت الاجتماعي، فالكل يريد أن يفرض شروطا تعجيزية فوقية غير واقعية لا تتماشى ووضعيته وقدراته الاجتماعية، وكأنه بذلك يريد أن يخلق مبررات يستند عليها في تبرير عجزه وعدم قدرته على تحمل الأعباء الزوجية بمختلف متطلباتها واخفاء عجزه الجنسي. وقد باتت هذه ظاهرة اجتماعية نفسية تدخل في علم النفس الاجتماعي يشارك فيها الآباء في شكل اسقاط نفسي من خلال تجربتهم الشخصية، وباعتقاد مسبق منهم بأن هذه العلاقة سوف تفشل أو أنها صفقة يعتقد فيها الفشل بشكل قوي، ولذا وجب ضمان أكبر قدر ممكن من التعويض المادي.

أسباب ثقافية:

إن الجزء المفعل من الثقافة في هذا السياق هي تلك الأفكار المؤثرة في سلوكياتنا، والمتحكمة في قراراتنا و(اختياراتنا) المختلفة والمنبثة فينا من خلال البرامج التعليمية والتربوية المختلفة والمؤثرات الإعلامية المتعددة، مثل المسلسلات والأفلام، والأفلام الكرتونية، والألعاب البرمجية والبرامج الثقافية المختلفة.

وقد قرأت البارحة خبرا عن فتاة أقدمت على الانتحار وهي لم تتجاوز بعد العاشرة من عمرها ظنا منها أنها سوف تلتقي بأمها المتوفاة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح شديد: من أين جاء تلك الفتاة بهذه الأفكار الغريبة والمخالفة لتعاليم ثقافتنا الأصيلة وعاداتنا وتقاليدنا؟ كذلك ظاهرة فك الرابطة الزوجية من قبل الزوجة عن طريق الخلع والذي بات قاعدة بعد أن كان استثناء نادرا فأصبحت ظاهرة مدمرة للأسرة والمجتمع. كذلك ظاهرة تقاتل الإخوة الأشقاء من أجل الميراث أو التركة، وغيرها من الظواهر والأفكار الغريبة والخطيرة المخالفة للمبادئ والقيم الاجتماعية الأصيلة. والجواب عن ذلك كله تشير إليه أصابع الواقع والحقيقة متهمة فيه ثقافة الهيمنة، تلك الثقافة الرأسمالية العالمية أو المعولمة والقائمة على الأساس الاقتصادي والمالي، والداعية إلى (مبدأ الفردنة) في مقابل (مبدأ الجمعنة) ـ على حدّ تعبير الفيلسوف طه عبد الرحمن ـ وهذا ما يقدم الحقوق والحريات الفردية على الحقوق والحريات الجماعية، الأمر الذي يؤدي إلى تفكيك المجتمعات وعزلها من الداخل كي تصير ضعيفة، يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها. ومن بين مخططاتها أيضا زرع الفتن بين الجنسين، المرأة والرجل بدعوى الاستقلالية والحرية والهدف منها كسر نظام الأسرة والعائلة الموحدة والتي تشير إلى مبدأ الجمعة، وبالمقابل تخدم فكرة الفردنة، وبالخصوص الفردنة السالبة، على أساس أن الزوج الواحد يتكون من رجل وامرأة، وهو في الأصل واحد، فالحذاء بفردتيه واحد، فإذا عزلنا اليمنى عن اليسرى لم يعد هناك حذاء في الأصل يصلح، ولسوف يكون مجتمعا أعرجا ضعيفا مآله الزوال. فمبدأ الفردنة يغري الانسان كثيرا ويزرع فيه حب الذات والأنانية لما له من رموز مغرية، مثل التفرد والتميز ويقابله الترأس والتملك. لكن ما غفل عنه الانسان أنه من غير الممكن أن نشكل مجتمعا كل أفراده رؤساء أو ملاك، بل أصلا لن يبقى هناك معنى للتميز والتفرد ما دام كل الناس على صفة أو شاكلة واحدة. وبالتالي إن هذه الفكرة تناقض نفسها وهي تضحك على ذقوننا كما يقال واستحمارنا بتعبير آخر. لأنها فلسفة عنصرية تقوم على خلفية استئثار جنس معين بذاته على بقية الأجناس الأخرى ولأجل ضمان لبقائه والمحافظة على مصالحه ومكاسبه الحالية لا بد من القضاء على بقية الأجناس الأخرى، أو بأقل تقدير الحدّ من نسلها وتكاثرها بشتى أنواع الطرق والوسائل المباشرة وغير المباشرة، مثل الحروب أو زرع الأمراض الفتاكة واللقاحات القاتلة، ونشر الأفكار الهدامة والتي من شأنها القضاء على تلك الجناس والحدّ من تكاثرها خصوصا وسكان العالم يتزايدون بشكل رهيب وفق معادلة هندسية متزايدة. في مقابل ثروات العالم المتناقصة، وهذا ما ينادي به العديد من المنظمات العالمية والتيارات السياسية منها اليمين الرأسمالي المتطرف في الويات المتحدة الأمريكية. وهذا ما يقونا للعامل الموالي.

أسباب سياسية:

باختصار شديد وبحسب نظرية الباحث الاقتصادي الإنجليزي الشهير “روبرت مالتوس” في أواخر القرن التاسع عشر، والذي لاحظ ” أن سكان العالم يتزايدون بمتوالية هندسية (2، 4، 8، 16) في حين أن موارد العالم تتزايد بمتوالية عددية (2، 4، 6، 8)، بالتالي فإن موارد الكوكب لن تكفي الجميع، ولكي يحافظ الأغنياء على حياتهم ومواردهم بنفس النمط والمعدل من الوفرة والثراء، فإن أعداد سكان العالم يجب أن يتم التحكم فيها”.

حيث أن العديد من التوجهات السياسية تعمل وفق هذه النظرية وتنفذ تعاليمها بطرق مختلفة. وما ألأفت الانتباه في هذه الأونة الأخير، توجه أحد أكبر أثرياء العالم والعامل بمجال البرمجة الإلكترونية والإعلامية ” وأحدد مؤسسي (شركة مايكروسوفت) وليام هنري غيتس الثالث المشهور باسم بيل غيتس من مجال البرمجة الإعلامية إلى مجال اللقاح الطبي ودعوته سكان العالم إلى التلقيح ضد وباء كورونا، وصاحب التصريح الأخير في لقاء مع ” سي إن بي سي ط بقدوم وباء جديد مغاير لكورونا.

لست أدري ما إن كان القارئ المحترم قد سمع عن “سر ألواح جورجيا الغامضة ” والمعتقد من ورائها الماسونية، والتي صنعت عام 1980 ووضعت بجورجيا، وهي عبارة عن ألواح حجرية ضخمة وصلبة، حفرت عليها وصايا عشر ومنها نقرأ:

ـ ابقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون نسمة في توازن دائم مع الطبيعة.

ـ وجهوا التناسل البشري مع تحسين اللياقة البدنية والتنوع.

ـ وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة معاصرة.

ـ تحكموا بالعاطفة وبالعقيدة وبالتقاليد وبجميع الأشياء بمنطق معتدل.

الكلام قد يطول لن يحتمل مثل هذا السياق المقالي المقتضب، ربما لنتحدث عنه في سياق آخر بأكثر تفصيل وتدقيق. لكن قبل أن نختم، لابد من الإشارة إلى أرض الواقع وما يحصل فيها من مجازر إنسانية في شكل حرب باردة يبدوا أنها بدأت تسخن.

اترك تعليقا