سلطان الحب .. قراءة في قصة ‘مريودة الملاك الخائن ..’ للقاص السوداني ‘بدر الدين العتّاق ..خديجة مسروق
بواسطة admin بتاريخ 31 مايو, 2022 في 03:02 مساء | مصنفة في حفريات | تعليق واحد عدد المشاهدات : 1003.

مريودة الملاك الخائن..’ نص قصصي يحكي قصة عاشق, أحب فتاة اسمها مريودة (مريودة ضد مكروهة) حبا شديدا, وهام في الفيافي بها عشقا كما حدث لأمثاله من العشاق الأوائل ‘ عنترة وكُثيّر وجميل..) وبادلته مريودة المشاعر النبيلة لعقدين من الزمن كملاك طاهر.. غير أن الملاك الطاهر لم يبق على طهره, فقد أملى عليها الشيطان بأنه لا فائدة من الحب وحده إذا لم يكن صاحبه متسلحا بالمال. المال وحده يسمح للحب أن يعيش. وعاشق مريودة لا يملك سوى قلبه الذي رهنه لأجل حبها. كان فقيرا ليس بإمكانه أن يوفر لها أبسط شيء ترغب نفسها فيه.
بدأت مريودة تستيقظ من غفوة المشاعر التي لم تمنحها شيئا ماديا يجعلها تستمتع بالحياة كغيرها من الفتيات, سوى كلام القلب الذي يتكرر على مسامعها كل يوم, فشعرت أن القلب إذا افتقد للمادة يمكن أن يتوقف عن النبض.. سلطان الحب كان يطوّقها و لا يمنح للعقل مكانا لإعادة حساباته نحو ورطة القلب المحترق بلهيب العواطف, ولا يملك خلاصا..
الخلاص الوحيد أمام مريودة هو التحرر من سلطان الحب والعواطف.. المال وحده كفيل بتحقيق كل الأمنيات.. المال أولا و لا شيء قبله, به تشتري كل شيء: العقول, القلوب, وتشتري الإنسان.. هكذا سوّلت لها نفسها مريودة.
مريودة لم يقنعها الكلام العاطفي الخالي من الدُّسم ‘المال’. اختارت المادة لتصنع سعادتها. نداء العقل يقول لها المال هو السعادة.. تقدم لخطبتها ثري أحمق بائس. لم يكن يعنيها بؤسه و حمقه. ماله سيحجب كل عيوبه..
بعد عقدين من الزمن شهدت فيهما الأحجار والأشجار لقاء العاشقين. كانت تلتقي مريودة عاشقها بقلب ملائكي ويلتقيها بقلب المخلص وهو الذي تملّكه الهوى. لكن مريودة انقلبت إلى شيطان خائن فالملاك لا يخون ولا يعرف الخديعة (كنت أظنها ملاكي الطاهر الذي لا يعرف غير الخير سبيلا, وبعض الظن إثم, فبدى لي من بعد عكس توهمي)1.. فهي لم تراع حرمة الحب ولا قداسة المشاعر. خانت كل العهود التي أبرمتها مع حبيبها ووقعتها على وثيقة الحب, لتكون شاهدة على صدق مشاعرها نحوه (العهد: أن نكون سويا أبد الدهر) 2.. قبلت برجل بائس لتصنع سعادتها.
ولتطهر قلبها من الحب النبيل, يوم عرسها اختارت أن يكون حبيبها الفقير على رأس قائمة المدعوين.. فهل يغفر قلب المحبّ؟ وهل يقدر على النسيان؟ الرجل العربي يموت شامخا, والرجولة عنده كبرياء (اذهبي غير مأسوف عليك ولا على غدر الزمان بي. فكهذا يرتد بصري من الكبرياء عزيزا, ويعود حديدا كما كان) 3 ..
قصة ‘مريودة الملاك الخائن..’ بما يحمله العنوان من مفارقة, فالملائكة لا يمكن لها أن تخون, الأشرار هم فقط الذين يعرفون الخيانة..
بالرغم ممّا لاقاه عاشق مريودة من خديعة وخيانة من محبوبته, القاص يطلق على مريودة الخائنة صفة الملائكية, التي ظل عاشقها يراها ملاكا أغواه إبليس, وقد يلتمس لها العذر ‘كعاشق’ ويتسلل إلى داخله شعور أنها ليست المرأة الأولى التي تستجيب لغواية إبليس, والخالق غفور فكيف للمخلوق أن لا يغفر؟, فأم البشرية جمعاء حين أخطأت. جازاها خالقها بأن أنزلها إلى دار الدنيا لتستمتع بملذاتها. وجزاء مريودة دنيا المال الذي سيحقق لها ما تريد..
ولم يكن هذا العاشق ناقما أو حاقدا على من آذت مشاعره وخانت قلبه, بل كان متسامحا (لا يعني بالضّرورة أن تقابل بالمثل حقا وعدلا لتحقيق العدالة الغرامية والمعاملة سواء بسواء, فالله يقول: فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) 4.
من القصص الوعظية الواقعية تؤخذ العبر. القاص بدر الدين العتّاق اختار أسلوب الوعظ والإرشاد في قصته ‘ مريودة ….’ وهذا دلالة على أنه متشبع بثقافة دينية إسلامية..
بين الأسلوب البلاغي واللغة الفخمة المتكلفة حبَك الكاتب نسيج قصته, معتمدا على النمط السردي المتقطع. عاد بالقاريء إلى التراث العربي الديني والثقافي من خلال الاستطرادات التي تتضمن بعض الآيات القرآنية وأبيات من الشعر العربي القديم. كما ضمنها إحدى قصص ألف ليلة وليلة..
قصة ‘مريودة الملاك الخائن..’ قصة وعظية ارشادية. كتبها صاحبها للعبرة. تضمنت العديد من القيم كالوفاء والتسامح والصبر والعفو عند المقدرة..
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدرا / فالظلم ترجع عقباه على الندم 

التعليقات: تعليق واحد
قل كلمتك
  1. شكراً للنشر بلا منتهى

اترك تعليقا