صدر عن دار المدى العراقيَّة كتاب أنطولوجيا الشِّعر الفارسي الحديث، الذي أعدَّته وترجمته الشَّاعرة العراقيَّة “مريم العطَّار”، ليصبح الكتاب الرَّابع في رصيدها على صعيدِ التَّرجمة والإعداد. حيث قامت في السَّنوات الماضية بترجمة الأعمال الشِّعريَّة الكاملة للشَّاعرة الإيرانيَّة المعاصرة فروغ فرخزاد 2017، ورواية مرَّة أخرى.. المدينة التي أحبُّ 2021 للرِّوائي الإيراني نادر إبراهيمي، وكتاب أنطولوجيا الشِّعر الأفغاني الحديث 2021.
من منطلق التَّوق للحبِّ والحريَّة جاءت هذه النُّصوص المختارة التي قدَّمتها الشَّاعرة والمترجمة العراقيَّة “مريم العطَّار” والتي أرادت من خلالها ترسيخ طبيعة الحياة السِّياسيَّة والثَّقافيَّة والفكريَّة لكوكبة من روَّاد الشِّعر الفارسي الحديث. هذا الجيل المبدع المعاصر الذي يعدُّ أكثر واقعية وتفرُّدًا بخصائصه الفنِّية وبلاغته الصُّوفيَّة العالية.
انقسم الشِّعر الفارسي الحديث إلى شكلان أساسيَّان مهمَّان هما:
الشَّكل الأوَّل: “الشِّعر النيمائي” (نسبة إلى اسم الشَّاعر “نيما يوشيج” الذي يقال عنه أنَّه منيفيست الشِّعر الحديث، والذي كان نقطة تحوُّل بين الشِّعر الكلاسيكي والحديث). وقد شهد الشَّكل النيمائي الذي أرسى قواعده “نيما يوشيج” تطوُّرًا ملحوظًا على يد: (أحمد شاملو، مهدي أخوان ثالث، سهراب سبهري، فروغ فرخزاد، فريدون مشيري، وحميد مصدق). ليصل إلى شعراء مبدعين من أمثال: (هوشنك ابتهاج).
أمَّا الشَّكل الثَّاني فيطلق عليه: “السبيد” أو الشِّعر الحر. وهو شكلٌ حداثي يخلو من الوزن والقافية، لكنَّه يحافظ على الإيقاع والتَّركيب الدَّاخلي للقصيدة من (إيجاز وتوهُّج ومواجهة). كما أنَّه يُظهر فكرًا جديدًا وتصويرًا بالغ العمق والدقَّة والحساسية.
اجتهدت كثيرًا المترجمة “مريم العطَّار” لإضاءة جوانب عديدة من التَّجارب الشِّعريَّة الإيرانيَّة المختلفة. ورصدت لنا من خلال هذه الأنطولوجيا سِيَّر شعراء عاشوا في ظلِّ الأزمات والاضطرابات الوطنيَّة والنِّزاعات الاجتماعيَّة والفلسفيَّة والأدبيَّة. فالموضوعات التي احتوتها الأنطولوجيا تقتنص الدَّفق الشُّعوري العميق، وتوثِّق اللَّحظات الوجوديَّة اليوميَّة التي ارتكزت على الحرب، والانتظار الموحش، والحبِّ العذري المفعم بالعذاب الطَّويل، والجرأة، والتمرُّد، والطُّموح، والتحدِّي، والإيمان الرَّاسخ الذي يتجاوز الممنوعات التي تصنعها الأنظمة القمعية القادمة من ظلام القرون الوسطى. ولعلَّ هذا الإيمان العالي بقضايا الإنسان وأوجاع الذَّات والوطن ما جعل من النُّصوص المنشورة مرجعًا خصبًا لكل متعطِّش يرى في الشِّعر الحر.. الإشعاع الوجداني والسَّلام الكوني.