يقال أنه من الواجب عليك قراءة بعضٍ من تاريخ المكان الذي تود زيارته، وإلا فإن الزيارة ستكون منقوصة مهما ظننت أنها بلغت من كمال، عن نفسي فإني لم أزر الإدريسية (الزنينة كما سماها الرومان ذات زمن) من قبل ولكنني عثرت على ضالتي عند القاص في مجموعته (صدر الحكاية) ذلك أنه الرجل الذي حمل (زنينة) في قلبه واستقر بها زمانًا ومكانًا أينما حل وارتحل. وعليه فقد اختصر علي عناء الإلمام بمحيط المنطقة جغرافيًا وروحانيًا وبشريًا من ناحية التركيب النفسي، وهذا ما أشكره عليه سابقًا ولاحقًا.
العنوان:
صدر الحكاية: عنوان المجموعة القصصية وعتبتك لتفهم أنك في حضرة الزنينة الحقيقية التي يراد منك الإحاطة بتفاصيلها وهو عنوان القصة ما قبل الأخيرة، التي تحكي قصة (حميدة العفريت) الوليّ الذي يقف على ثغر روح الزنينة والمحلق فوق سمائها. والذي بدا وكأن الكاتب يجعل من نفسه ومن كل فرد مخلصٍ للزنينة كأنما حميدة عفريت آخر.
هيكل المجموعة:
تحتوي المجموعة على أربع عشرة قصة. وتشتركُ القصة ما قبل الأخيرة في عنوان المجموعة، ذلك لتشعر كقارئ بأنك وصلتَ إلى أهم منطقة في هيكلها. وكأنّ القاص جعل من مجموعته جسمًا واختار منه منطقة الصدر التي تحمل القلب لتكون مكان لقائه مع القارئ. وما يلفتك في كل قصة أن الزنينة حاضرة القلب والقلم، فإن هو لم يذكرها بالصريح جعلك تستشعر حضورها بين حروفه، وفي حنينه إليها في زمنٍ معيّن يود لو يعود إليه.
المجموعة:
1/ أوجاع شائكة: تعود بك إلى الناصرية، وفيها يشير القاص إلى مسكوتٍ عنه وهو الخمر الذي لم يكن حكرًا على الرجال. حامدًا الزمن الذي نجّى الماضي من توثيق المزيفين.
2/ الطائر الذي بدد سراديب الصمت: عن (قدور بومحيزمة) الرجل الذي سقط من السماء في زمانٍ غير زمانه، الغريب التائه عن رفقته في زمنٍ يزيّف فيه التاريخ ويعدم فيه كل صوت يصدح بالحقيقة.
3/ مايسة: عن قصة بطلة أغنية (جوليا) الشهيرة. المرأة التي اجتمعت كل طوائف المجتمع على قهرها، وعن ذلك الستيني الفلسطيني الذي كان لفترة وطنها البديل. والذي جعلنا القاص من خلاله نستشعر بعده القوميّ وموقفه الثابت إزاء القضية.
4/ توقيع لحالة انتظار: عن الضاوية وحبها المستحيل وعن الرضوخ العام للعادات والتقاليد.
5/استضافة: قصة يمكن أن تلخص في جملة واحدة (بسم الواجب التربوي والإنسانيّ حصل الطبيعيّ)
6/نائبة: عن المرأة التي تمارس السياسة وكيف أنها طريق مفتوح لأي منصب سياسي.
7/حنين: قصة جمعت ثلاث ذكريات. ذكرى حبيب، وذكرى أخت أضمرها الزمن، وذكرى اللقاء.
8/ قبل أن: لا وجود لفكرة العراب الثابت وكيف أنه لكل جيل عرابه. هذا بالتحديد ما رأيتُ أنه مقصد القاص.
9/ سقوط مرتب لرجل منا: عن الزمن الأحادي، وعن المرأة حين لم تكن شيئا يذكر وكيف أن دوام الحال من المحال.
10/حكاية حب قديمة: السعدي وكيف كان وأصبح
11/ على “أطلال” ضاية التلية: يمكنني القول بأنني عشت القصة بتفاصيلها وأعدتها أكثر من مرتين لما فيها من براعة وصف لقصة (التلية) المرأة التي جاءت من أجل مهمة طبية فسقطت في بحر العشق والتي يوشحها القاص ببيتٍ بهيّ من الشعر الملحون لعبد الله بن كريو من قصيدة (قمر الليل):
مرسم ولفي كي خلى وعلاه نجيه
نتفكر ما فات يثقب مشعــــــالــي
12/ الموت يخطئ أحيانًا: عن ثامر الذي اختاره القدر في الظلام فاغتيل مكان صديقه.
13/صدر الحكاية: قصة (حميدة العفريت) الوليّ الواقف على ثغر روح الزنينة والمحلق فوق سمائها.
14/الصاعقة: عن الحب في الزمكان الممنوع والمحرم شرعًا
نظرة عامة في المجموعة وصاحبها:
إنك وكما ذكرتُ سابقًا ستستشعر من خلال المجموعة روح الزنينة الحقيقة. وستقبض منها على قبسٍ من تاريخها المنسيّ، وبالنسبة لمؤلف المجموعة فستدرك بما لا يدع مجالاً للشك النقديّ، كيف أنه ابن زاوية قرآني روحًا، ذلك لما وشح به مجموعته من آياتٍ سارت مع السياق نثرًا، ثم إن أكثر ما لفتني في تصميم المجموعة هو تلك الورقات الفارغة بالأخير – تقريبًا خمس ورقات – ولا أعلم إن تركت عمدًا، ذلك أن هذه العادة رأيتها في الأدب الأجنبي ودور نشره، فخين يترك لك المؤلف تلك المساحة، فهي لك لتكتب انطباعك ونقدك ثم تعيد الكتاب إليه ليقوم ويتدارك ما يرى أنه مناسب لذلك.
………….