مَهجُوسًا بحُرقة الأسئلة،والبحث عن التنوُّع والاختلاف في الرؤى والأفكار والمفاهيم، ينبجِسُ اسم الراحل بختي بن عودة،كشمسٍ صغيرة تضيء مَا حَولَها، زارِعةً الدفء والنور في كل البقاع والجهات التي تصل إليها، رافضًا الخُنوعَ والاستكانة للتفكير الجاهز.والمُتفق عليه، كان بختي بن عودة مَحمومًا بالأسئلة الكبيرة والقضايا المُلِحَّة التي شغلت بَالَ الكثير من المفكرين العرب كأدونيس الجابري، طربيشي ،حسين مُروّة، الطيب تزيني، عبد الكبير الخطيبي، بنيس، الخ،كان “بختي بن عودة” وعـْــدًا صادقاً للمؤمنين بضرورة التغيير والتفكير الحر والتوغل في لُبِّ المشكلات الحقيقية التي تطرحها مجتمعاتنا العربية المتخلِّفة، .كان يحمل أفقًا مفتوحًا على الفكر والفنون جميعُها،مسرح، سينما ، تشكيل.الخ..مِرجَلاً كان يَغلي الراحل بالتفكير المستمر ولوعَة البحث الدؤوب ، للأسف لم يُمهِلهُ “القتلَة” بعضاً من الوقت لاستكمال مشاريعه في الفكر والفلسفة ، ولِيمُدَّ مع إشراقة يوم جديد خُطوةً أخرى في طريق التفكير والاستنارة .
(02)
رسائله الكثيرة مع كبار المثقفين في الداخل والخارج ، تُقدِّم فكرة واضحة عن معالم الصورة وتعطي انطباعا أولياً عن سِرِّ عن هذه الروح الثائرة الوَثَّابة التي سكنت “بختي بن عودة” منذ اليفاعَة والصبا، شيء من التفردُّ والعبقرية . كانت تستحِثانِه دومًا في الحفر والمُكاشفة والاختلاف، حواراته مع”أدونيس(1930)، اتَّسمَت باالنُّبوغ والاحترافية ، وليس سِرًا أن أقولَ، بأنَّ أولَّ من أجرَى حواراً يتّسِم بالعمق والجدية مع أدونيس هو “بختي بن عودة “وكان له من العُمر ثلاثةً وعشرين عامًا، حَدَث ذلك حينما زار صاحب “الثابت والمتحوِّل” الجزائر عام 1984، التقَاه الشاب “بختي بن عودة” وهو يتدرَّج في خطواته الصُحفية الأولى ، واكتشفنا من خلال الحوار عن مُحَاوِر مُشاكس وعقل راجحٍ ينضح بالتمرُّد،ويتوهج بالذكاء وُحُبِ التطلُّع والاستكشاف والمعرفة، أما حوراه الثاني فقد جاء ناضجًا بكل يا يمنحُه الوعي للإنسان من كثافة في التفكير وحَصَافةٍ في طرح الأسئلة الصحيحة في مكانها المُعتاد، ،ولذا جاء لقاءه مع أدونيس في فندق الأوراسي عام 1990، مُمتِعاً وفي غاية الأهمية ، بين سائلٍ صُحفي يُدرك أسرار المهنة،و مُفكر كبير ذاع صيته في عالمنا العربي ،فكلاهما- أدونيس وبختي- ، مَهُوسان بالحفر والشك المستمر والنظر إلى هذه الفكرة من هذه الزاوية أو تلك ، فهل عَــثَرَ “بختي بن عودة “على صِنْوِهِ في البحث والتنقيب وحُرقة الأسئلة ؟كما عثر “جلجامش “-في الأسطورة السُّومرية-على رفيقه “أنكيدو” في رحلة الشقاء والعذاب االسّرمدي لاكتشاف حقيقة المعرفة وسرِّ الخلود؟
(03)
كان “علي أحمد سعيد”أو” أدونيس” مُعْجباً بهذا الفتي الطَّالِع من سُهوب وجبال “بني شقرا ن” بالغرب الجزائري،مُفْعمًا بروح الأسئلة وهواجس التفكير الحر، كان كَدأْبِ الصيَّادين الكبار يحمل فرائسَه فوق كتفيه،ثم يَنصُبُ فِخَاخَه مُجدداً في أرضٍ ومسالكَ أخرى، بحثاً عن طرائدَ جديدة، كانَ مهْجُوسًا بروح المغامرة والاكتشاف ولعنة البحث، وكَم كانَ وَقْعُ اغتياله على “أدونيس” مُؤلِماً إلى حَدّ الفجيعة، تأَّلم المفكر الكبير “أدونيس” لاغتيال صديقه الشاب بتلك الطريقة البَشِعة، وَحَزِنَ المفكر والفيلسوف التفكيكي “جاك دريدا”(1930-2004) حُزنًا شديداً لموته،و ظلَّ- لسنوات طويلة- مُحتفِظاً برسائله الخاصة، يحملها معه أينَما حَلَّ أوارتحل كتذكار تتقاذفه رياح الحنين من مطار إلى مطار.لا أدري لِمَ أتذكَّرُ مقولة النحّات الفرنسي الكبير” أوغست رودان “(1840-1917)،عن صديقه الشاعر الكبير “ستيفان ملارميه” (1842-1898) وهو يمشي في جنازة صديقه قائلا: ” ” “تُرى كَم ذَا من وقْتٍ يمضي لاستنبَات دماغٍ حُرٍ مِثل هذا؟.وكان يُشير إلى رفيقه “ملارميه “وهو مُسجّى في النعش؟
” لا أدري كم من الوقت يَلزمُنا أيضًا لإنجَابِ عقل متوَهجٍ بالذكاء ومُتَّقِدٍ بالمعرفة كبختي من عودة ، وَميضٌ بَزغَ بسرعة البرق في أَفقنا وتورَاى كطائر حُرٍ في سمائنا المديدة.
بيــــــوغــــــرافيا:
- 1961- الميلاد بوهران
- 1989- ليسانس أدب(جامعة وهران)
- 1993- ماجستير عن “ظاهرة الكتابة في النقد الجديد” (جامعة وهران)
- 1995- في 22 ماي، أُغتيل رَميْاً بالرصاص
:المؤلفات
01 رنين الحداثة / مقالات منشورات الاختلاف الجزائر 1999
02) ظاهرة الكتابة في النقد الجديد ط01 2013 دار صفحات للنشر والتوزيع (سوريا