في التوطئة التي كتبها الناقد والمفكر التونسي فتحي المسكيني لكتابه ( الهجرة الإنسانية ) والتي خصصها لعودة ابن رشد من المنفى الذي نفي إليه سنة 1195 بعد محنة تكفيره وهو الأسيانة .
والأسيانة على ما يذكر المسكيني نقلا عن مؤرخ عربي هو الإدريسي من خلال مصنفه الضخم ” نزهة المشتاق في إختراق الآفاق “ هي ” مدينة اليهود ” أو ” مدينة الآخر اليهودي للملة ” بحسب توصيف المسكيني نفسه .
وفي سعيه للربط بين الفلسفة والمنفى إستوقفني إعتماد المسكيني على فقرة لكاتب يدعى سيناك ورد فيها بأنه ” لا شيء يخسره المرء في المنفى فمن اي جهت نظرت إلى السماء تكون المسافة هي نفسها بين ما هو إلاهي وما هو إنساني “
وقد تساءلت من هو سيناك الذي يكتب المسكيني إسمه هكذا من دون توضيح أو إسم مركب هل هو جان سيناك الشاعر الجزائري معشوق ناصر خوجة الشاعر الباحث الجزائري الذي خصص لسيناك كل مساره النقدي والبحثي .. ؟
منذ أن تخلى عن الكتابة الشعرية ليتفرغ للبحث النقدي والاهتمام بالتراث الشعري والنقدي الذي تركه جان سيناك وعلاقته المتأرجحة بين الحب والتذمر مع أستاذه كامو .
وعند عودتي لكتاب ناصر خوجة الكتاب الذي ناقش فيه علاقة كامو بسيناك ( كامو سيناك أو الإبن المتمرد ) .
وهو كتاب مارس فيه ناصر خوجة نوعا من النقد هو النقد التوثيقي الرسائلي بالاعتماد على نصوص سيناك الشعرية وآراءه في العديد من القضايا الثقافية والتاريخية بما في ذلك الرسائل المتبادلة بين سيناك وكامو وبين سيناك وعدد من أصدقاء كامو وعلى رأسهم جان كوكتو لم أعثر على هذه الفقرة أو ما يحيل إليها .
الأمر الذي جعلني أرجح أن المعني ليس هو سيناك معشوق ناصر خوجة لعلمي أن سيناك الجزائري لم يعرف تجربة المنفى الخارجي ولم يغادر الجزائر حتى بعد استعادة السيادة الوطنية سنة 1962 كمافعل بعض مجايلية من الفرنسيين الجزائري المولد حتى ولو كان الأمر يتعلق بمنفى آخر هو المنفى الداخلي أو منفى اللغة كما عبر عنه مالك حداد وآسيا جبار وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم .
مما يستوجب طرح ذلك السؤال الذي روادني وهو هل عاد سيناك من المنفى .. ؟ بالصيغة نفسها التي تساءل بها المسكيني :
” هل عاد إبن رشد من المنفى .. ؟ “