في مجموعة “يتنهد في صمته الحجر”.. الشاعر الجزائري عبد الحميد شكيل يكتب نصوص الحنين إلى الماء و الصحراء../ د وليد بوعديلة
بواسطة admin بتاريخ 13 مايو, 2024 في 08:48 مساء | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 142.

صدر بالجزائر مؤخرا ديوان شعري جديد للشاعر و الاديب عبد الحميد شكيل،وسمه ب” يتنهد في صمته الحجر”،عن دار خيال للنشر والترجمة بولاية برج بوعريريج ،و تحديدا شهر مارس2024..

        وهذا العمل الإبداعي اعتبره الكاتب محاولة المغامرة في” نصوص عبور”،ولسنا نعلم قصده من هذا المصطلح الذي وضعه في الغلاف، في محاولة لإرغام المتلقي على التأويل والتأمل في شروط قواعد الابداع، قبل بداية القراءة و البحث عن الفهم، ونحن نرى أن الشاعر يحاول ارباك القارئ،و أن نصوص الكتاب هي عبور بين الأنواع الادبية،وعبور بين الدلالات، كما انه فيها يحاور الواقعي والمتخيل،الماضي والحاضر،الدنيا والاخرة،…وكلها انتقالات وعمليات “عبور”.

       و محاولات الشاعر عبد الحميد شكيل تحدي القارئ ليست جديدة،فهذا دربه ونهجه منذ سنوات الإبداع والتألق في المشهد الشعري العربي،من خلال أعمال ابداعية كثيرة،فقد سبق ان قدم كتابات أدبية تحت مظلة جنس “النصوص”،رغم أنها تقترب من الشعر،وهو المعروف بكتابة قصيدة النثر،فهل يبحث المبدع شكيل عن كتابة متجاوزة،غير محدودة،مدهشة،صادمة…تقول الكثير من تحولات الانسان المعاصر ؟…

1_نصوص المكان والتراث:

         لقد قرأنا في هذه المجموعة الشعرية العابرة للنصوص حنينا متجددا لعناصر الطبيعة في صفحات كثيرة، ففيها الريح و المطر والارض و الجدول و البوادي …،كما أننا وجدنا تفاعلا شعريا دلاليا بهيا مع الأمكنة الجزائرية و العربية و العالمية،في حنين شعري جارف لعنابة،قسنطينة،الاندلس،الصحراء، المدن العربية…وغيرها.

        و يستدعي المبدع عبد الحميد شكيل التراث الاسلامي والاساطير، و يقرأ رمزيات الشخصيات الأدبية والتاريخية، فهنا عبلة،عنترة،ابن زيدون…،وهناك ولادة،زرياب،درويش،هوميروس…،و هذه العودة التراثية تتعب القارئ، و ترجعه الى كتب التراث والتاريخ للربط بين النص و أبعاده الفكرية والتأويلية …

     و يناجي الشاعر البحر ويتماهي/  يتوحد مع دلالات الماء،يقول:

“يا موج الماء

 يا عبق النوار 

يا ليل التجلي والإبهار

كيف أعقلن سيل مائي؟

كيف أصوّب اشتاتي

إلى منازل الغيث والانهار؟”(ص12)

      وفي قصيدة عنوانها ” قسنطينة” تتلاحق المدن والأمكنة،ويمتد النص في سفره من الراهن إلى الماضي ،حبا للذاكرة و التراث في الزمن الاندلسي،فيناجي الشاعر صوفية المكان والروح،يقول:

“هٓدّني الوجد

ضيعني حنين المنفى

إلى زنقات سيرتا

إلى جسرها الأعلى والأقوى

على حمل هتافات روحي” (ص16)

       أما قصيدة /نص “الاندلس” في هذه المجموعة الابداعية فهو يحمل وهج و عشق لحظات ثقافية حضارية للحضور الاسلامي الاندلسي،وهي قصيدة العودة إلى الحزن والفجيعة  بعد ازمنة فرح المكان وتألق الإبداع الحضاري،وكأن المبدع شكيل زار إسبانيا فوق بساط سحري، وشاهد مشاهد الذل ومغادرة الاسلام و المسلمين ،ثم عاد وكتب نصه،نقرأ هذا المقطع:

“لم تكن غرناطة في قشيب و شيها

لم تكن السماوات في بهجة أفقها

سقط النخل هناااك

صاحت جوامع قرطبة

مرت جحافل الروم

انسابت أغاني زرياب

ملطخة بحنين الغياب”(ص18)

2_ عن جمال الامزاد:

         ومن أجمل نصوص المجموعة من منظورنا هو نص الامزاد،وفيه شوق وتحنان  الى الصحراء وموسيقاها وطقوسها وحياتها،علما ان الأمزاد هو آلة موسيقية يستعملها التوارق في صحراء الجزائر والدول المجاورة،وهي تعبر عن هوية التوارق و تستعملها المرأة الترقية فقط،دون الرجل،بل في المنظور الانتروبولوجي والاسطوري ممنوعة على الرجل،وهي آلة تقليدية بأدوات بسيطة، فيها العود وجلد الماعز او الغزال،تخرج من موسيقاها معاني الحزن والفرح،في ليلالي الصحاري الموغلة في الصمت واحاديث الروح..

         ويمكن أن نقول: ان قصيدة الامزاد التي ابدعها عبد الحديد شكيل هي قداس انتربولوجي،فيه معاني الفرح والبشائر والامال،فيها اغاني ارواح الاجداد وتجليهم،وفيها دلالات المحبة والشوق الى الحياة ورجاء الخصوبة…

         و كما طالبنا في مناسبات سابقة بكتابة شعر نور الدين درويش عن قسنطينة في مطارها وشوراعها،وكتبنا مطالبين بتوقيع شعر ناية نواصر عن بونة عنابة في مطار المدينة،فإننا نطلب اليوم كتابة هذا النص الشعري الصحراوي الذي يقول معراج الامزاد وتألقه، في مطارات او شوارع او جدران المؤسسات الثقافية السياحية في تمنراست وجانت وايلزي و عين قزام…لأنه نص الانسان والتراث في الاهقار والطاسيلي…فهل تسمعنا الوزارات المعنية بهذا الاقتراح؟

         نقرأ من قصيدة” الإمزاد” هذا المقطع الجميل:

“ترى إلى اوشام الطاسيلي

متماسكة الخطوات

متباعدة الزفرات

لترسم خيالات الامزاد

هي تكتب تاريخ الرمل 

تؤثث سنابل الايقاع

لتهد أ الروح في صلابة الصخر

تغرد الاعشاب في سحابات الليل

الموت لا يقرب موسيقى الإمزاد 

ولا يظل خيام الزرقة

أنه يقرأ سر خلود السيف”(ص 20).

         كما نرى انها قصيدة غنائية،تنتظر الملحن الذي يمنحها لحنا طربيا، والمطرب الذي يغنيها،لما فيها من جمال المعاني، وأصوات الروح والمكان والذاكرة والامل.

         ومن ملامح نصوص هذا الكتاب وجدنا حضور الابعاد الصوفية في لغتها و افقها،وحضور اللعب الطباعي مع الصفحات،في محاولة للربط بين المعنى وطريقة تشكيل صيغه اللغوية/ البصرية في الصفحة،كما وجدنا إستعمال التوقيعات او الومضات الشعرية ،بمقاطع ضمن نص طويل عنوانه” نثريات”…

أخيرا…

        هذه بعض الملامح الفنية و الفكرية في العمل الشعري” يتنهد في صمته الحجر”، للشاعر الجزائري عبد الحميد شكيل،علما أنه سبق أن كتب دواوين  كثيرة.مثل قصائد متفاوتة الخطورو،تحولات فاجعة الماء،يقين المتاهة،نون الغوايات،عطش الانهار..وهو ينشر نصوصه في صحف ومجلات وطنية وعربية. كما انه من الوجوه الثقافية المعروفة بمساهماتها المتعددة في الندوات والجلسات والمهرجانات المتعلقة بالثقافة والأدب في الجزائر.

اترك تعليقا