المتمعن في المجموعة القصصية – الشمس تشرق في عيون النساء –للقاص عبد الزهرة عمارة يلاحظ تأثير تداعيات المجتمع على ثيمات قصصه، فقد تطرق الكاتب إلى مجموعة من المشاكل الاجتماعية، التي انعكست من أرض الواقع إلى صفحات النصوص . تجدر الإشارة هنا إلى أنها تلعب دورا حاسما في خلخلة البناء النفسي للأفراد هذا مايركز عليه الكاتب ويكشف عواره
حيت يرى المنهج النقدي الاجتماعي أن الأدب والمجتمع يرتبطان بعلاقة جدلية، بمعنى أن كل منهما يؤثر في الآخر. فالمجتمع يؤثر في الأدب وخصوصا من حيث الثيمات، التي يطرحها وأسلوب تقديمها. كذلك يؤثر الأدب في فكر ومشاعر وسلوك افراده ، الذين هم جزء لا يتجزأ من المجتمع لتكون ثيمة رئيسة في النصوص وهي سبب معظم الشرور كما سيتضح لاحقا في فراءة القصص.
كما تأثرت الشخصيات بهذا الكم الكبير من المشاكل الاجتماعية، حاول الكاتب بدوره أن يرصدها عبر تقديم نهايات موجعة تدق ناقوس الخطر وجعلتها تتدحرج ككرة الثلج فتكبر وتكبر.
جعلنا الكاتب ننظر اليها بشغف في مرآة الحياة، حيث الروح الإنسانية بعمقها وتعقيدها ، فهو وضعنا في وجود مواز ،وحاول ان يستدرجنا عبر لغة درامية فريدة تتشكل وعبر مشاهد متعاقبة بدهشة،
المتابع الى تجربة الكاتب عبد الزهرة سيجد أن لديه القدرة الإبداعية على تشكيل المشهد عبر التحكم في مزج مجموعة من الصور الدرامية ، الذي يعبر عن فكرة القص من التكثيف التعبيري والتصويري للكلمات، المشحونة بطاقة هائلة من البؤس والحرمان، وهي تتشكل بين المتخيل والواقع، ما يجعل لاحداثها ذلك التأثير الانفعالي المطلوب لدى المتلقي،
–الشمس تشرق في عيون النساء- صادرة دار امارجي للطباعة والنشر 2020-الطبعة الثالثة . وفيها يحاول القاص إضاءة إشكالية اجتماعية ونفسية غلى العلاقة بين الرجل/المرأة .. العلاقة التي لها نكهة خاصة متفردة , علاقات انسانية لكنها تعاني من توتر , تترنح مابين مشاعر الحب والفقد.
تتميز القصص بالمجمل بتنوع القصص وتناوب الأحداث بين احداث سيرية يتداخل فيها الحدث مابين الماضي والحاضر، مما يضفي عمقًا على القصة، ويسلط الضوء على تطور العلاقة بينهما.
حاول الكاتب من رصد دقائق الامور لكل من الأماكن بالشخصيات وكانه فنان يرسم لوحة فنية مما اضفى على السرد قدرة درامية على جعل القارئ يشعر بالاندماج في الاحداث ، ويعيشها ويشعر بالقلق والتوتر، ويتعاطفون معها ويشعرون بقربهم منها.
في كل قصة نجد هناك تتنوع في العلاقات الإنسانية مما تجسد الاحداث تعقيدات العواطف والعلاقات الإنسانية في المجتمعات الشرقية ,وتأثير الظروف الانسانية على تطورها، وبالنتيجة تمحور بين تحقيق تلك الرغبات او فشلها المأساوي.
العنوان «الشمس تشرق في عيون النساء» يشير إلى فكرة أصل الحب ، إذ يُظهر أنَّ الحب ومن خلال القصص من تأثير خفي ورمزي، يشبه سحر شعاع خفي من عيون تلك النساء الفاتنات، التي تجلب معها الإحساس بالانتماء والوجدان كمعادل موضوعي للخراب . ويعزز العنوان، المثير للذة الاكتشاف ، فكرة حول التأثير العميق للمشاعر وللعواطف على الاندماج والانجذاب في تلك العلاقات الإنسانية.
وهنا اشارة واضحة الى سوداوية هذا العالم, هذا الترياق الوحيد الى شفاء الانسانية من الكراهية والبغضاء لكي يعيش بسلام, تلك رسالة اراد كاتب ان يوصلها لقارئه المهموم بقضايا هذا العالم القبيح وبالحروب والاوبئة والفقر , وأن العالم كلما تقدم في خطوات سريعة، ابتعد خطوات عن الطهر، ذاكرا أننا نحتاج لوقت طويل جدّا لكي نفهم مفهوم-الحب- الحرية ونعتنقهما عن وعي واقتناع. ويؤكد الكاتب بكل ثقة أنه أقرب إلى الحب وأبعد عن الكراهية، في بلد فارغ من حب حقيقي.
أن تنتصر للحب، اعتقد هي أصعب تجربة يخوضها الكاتب في عالم يحتضر ، وأن من يعشق الاخر يعشق الحياة بالفعل سيزحف إليها، وأن الحب مثل الفصول تمر بنا من حيث نريد اولا نريد، وأن كفاح الحب أقوى من كفاح السلاح.
اذن هذه المجموعة من القصص , التي جعلها الكاتب نافذة مشرعة للبوح وبث فيها كل ما في داخله من هموم وأوجاع وآلام مكبوتة، وأمنيات وأحلام ستزهر يوما ما.
المجموعة القصصية تتألف من :
(-خطوات من القلق-وعلى شفتيك انام-في عيادة الطبيب-بنت الجيران-الاحضان الدافئة-ثلاث كؤوس-شاطئ النهر-رجل ونساء-الشيطانة-مجنون-الشمس تشرق في عيون النساء-نعيمة-غزل من نوع اخر..)
وتجدر الإشارة إلى أن المجموعة القصصية استمدت فلسفتها من التحليل الاجتماعي والنفسي الدقيق الذي تتميَّز به أعمال الكاتب استطاع أن يتعامل وينخرط في جميع مشكلات المجتمع، ويصبح على دراية بما تتركه تلك المشاكل من ندب ظاهرة وعبَّر عن ذلك من خلال أعماله الأدبية،
فقد استطاع الكاتب من تشريح مجتمعه في قصصه تلك ، والتي اهتمت بتقديم الجوانب الإنسانية والقضايا الاجتماعية، من خلال حبكات تتداخل فيها أحداث ليست غريبة على المجتمع، لكنه يضفي عليها لمسات فنية ساهمت في إبراز القضايا الاجتماعية وإبراز الضوء على القيم الفكرية الجمعية، بغرض إصلاح ما يشوب المجتمع من عطب قد يفضي إلى تفشي الأمراض الاجتماعية مستقبلا.
حيث ترك العنان لشخوصه، وكأنه يحررهم من سيطرته عليهم. وعلى هذا، حيث أعطى لكل شخصية قصة تبوح فيه بما يجول في داخلها وتسرد الأحداث من وجهة نظرها. وإن كان يحرص على أن يجعل حضورهما مهيمنا على أجواء السرد، التي تدور أحداثها في فترة حرجة مر به الوطن.
لكن نهايتها كانت مأساوية وعبَّر الكاتب عن ذلك من خلال حبكة مليئة بالمفاجآت؛ اقول ان الأحداث الدامية التي مر بها الوطن ربما هي من سبب للشخصيات جرحا نفسيا لا يمكن أن يندمل. وتؤكِّد نهاية تلك القصص المأساوية تؤكد أن الأبرياء هم دوما من يدفع الثمن.
وختاما اقول ان الواقع المأساوي دومًا يحمل الحب بداخله، مثلما يبقى الصراع قائما مابين الحب والبغضاء وعلينا أن نتفاعل مع الحياة، لنكتشف أنفسنا من خلال الواقع والحقيقة ،فلولا الحب لمات كل شيء حولنا، لأن الحب إعلان صريح للحياة