عُرِفَ عن الناقد الجزائري مخلوف عامر(1952) مُتابعته للشأن الثقافي الجزائري والحركة الأدبية على نحو خاص ، منذ السبعينيات منذ القرن المنصرم،و إلى غاية يومنا هذا ، عَبْرَ مسيرة تُقارب نصف قرن من التعب والجهد المتواصل والدؤوب ،أحيانا أتصوَّر صديقي “مخلوف عامر” لا يحمل قلمًا وحسب بل أتصوَّرُه يرفع فوانيسَ للتنويرِوالإشعاع، في ليْلٍ مُدلَهِم تغشاه الظُلُمات من كل اتجاه، بدأ قلمه يأخذ منحَى تصاعدياً ،منذ الحقبة السبعينية التي طغى فيها الخطاب الإيديولوجي ،وتعالت فيه نبرة الخطابات الأدبية المُباشرة، مُتساوِقةً مع المدِّ الشعاراتي الصاخب،لم يَدَّخِر ناقدنا “مخلوف عامر” جُهدًا في تَرصُّدِ وتلمُّسِ مُنحنيات الارتفاع والهبوط في خريطة الإبداع الجزائري، من قصة ورواية ، بل إنَّ نقده كان ألصق بهمومنا الاجتماعية ومآزقنا السياسية المُلحة، لم ينجرف وراء َالمناهج أوالمدارس الأدبية الوافدة، دُفعة واحدةً-كما فعل -المناهج دون استيعابٍ أو رَويّةٍ،وَلَا أغْرتْهُ ،تخطيطات بعض النقاد “الأكاديميين”على النص الأدبي ، الذي غَدَا بين أيْدِي هؤلاء جُثة هامدة بلا روح، بل انسَاقَ لروحه النقدية المُشْبعَة بالمعرفة، والذكاء الحاد في مُقاربة الإبداع ومُساءَلة النصوص من الداخل،كما عُرِفَ عنه القوة في إبْدَاءِ الرأي والجَهْرِ بِمَا يعتقد أنّه صائب،يخدُم حركة الأدب الجزائري ويُطوِّرمن وتيرة المُمارسةالنقدية العلمية الجادة بعد أن هيْمَنَ الخطاب النقدي الإنطباعي والقراءات الصُّحفية االمُتسرّعة لسنواتٍ طويلة على مشهدنا الأدبي.
-02-
اتَّسَم النقد لديه بالموضوعية في الطرح وعدم الإذعان للإطراء والمُجاملة،فلم يَكُن يُهادن أحداً أو يُحَابي طرفاً لمجرد أنّ هذا “الكاتب” كان يَصْطَفُّ معه في هذا الخندق أو ذاك، بل كان صارمًا ، في آرائه و أحكامه النقدية، ، وقد جَــــرَّت عليه هذه “المُمارسات النقدية “-للأسف- إستياءَ البعض ونفُورِ البعض الآخر، مِمَّن كانوا يتوجَّسُون خِيفةً من النقد الهادف ويزعجهم الرأي البنَّاء، للعمل الأدبي رواية كانت أو قصة قصيرة
الكاتب الروائي الحبيب السائح في روايته ” زمن النمرود والكاتبة الجزائرية زهور ونيسي في مجموعتها ” على الشاطيء الآخر التي صدرت عام 1974،واستهلَّت كتابََها بمدخلٍ مُستفيض للكاتبة المصرية “عائشة عبد الرحمن” بنت الشاطئ(1913-1998)، ثم أعقبتها بمقدمة.
-03-
كتبتها زهور ونيسي في صدَارة المجموعة، مَا جَعَل الناقد، يشيرُ بَداهةً، ، بأنّ كلمات المُقدمة هي نقلٌ وتَحْوير ، لمُقدمة كتاب “تجربتي الشعرية” للشاعر العراقي الراحل “عبد الوهاب البيّاتي”(1926-1999) ،وقد نَشَر “مخلوف عامر” رأيَه الصريح هذا ،في كتابه ” تجارب قصيرة وقضايا كبيرة” عن المؤسسة الوطنية للكتاب عام 1984، وكانت الكاتبة “زهور ونيسي” –آنذاك-،وزيرة للتربية الوطنية ،في حين كان “مخلوف عامر” في ذلك العهد ” يَشْغلُ منصبَ مُفتِشٍ للغة العربية ، وكان بالإمكان لهذا المنشوروالموقف الشجاع أن يُقِــيلَهُ من منصبِه بِجرَّة قلم،أوأن يتسبَّبَ له –على الأقل- في مشاكل إدرية مُعقَّدة ،لكنّ الأقدارأو الصُّدف ، شاءت غير ذلك ،واتضح أنّ قلبَ الوزيرة وعقلها–يمتلك من القيَّم الأصيلة التي ورثتها عن جمعية العُلماء الجزائريين ،ومن سُمُوِّ الأخلاق العالية التي اكتسبَتْهَا،مَا جَعلها، تتقبَّلُ النقد برحابةِ صدرٍ وأفقٍ واسعٍ ، ونُبلٍ كبير، وهو أمرٌ نادرُ حُدوثهُ الآن، في بلدٍ يضيق أهلُه بالإختلاف، ناهيكَ عن النقد الجاد والنظرة الموضوعية الثاقبة.
المجدُ لأصحاب النفوس الكبيرة ،وعلى رأسهم “زهور ونيسي” أطال الله في عُمرها ، والمحبة والتقديرلصديقي عامر مخلوف إنساناً و ناقداً .