الذكرى 31 لرحيل الكاتب عمار بلحسن ..بعــــــيدًا عــن التُربة الأٌولى / محمد بوزرواطة
بواسطة admin بتاريخ 29 أغسطس, 2024 في 12:34 مساء | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 112.

01-

في وصيته الأخيرة.التي ضمَّها كتاب “يوميات الوجع” ،أوصَى الكاتب “عمار بلحسن” بأن يُدفَن بمقيرة “سيدي الحاج عبد الله” بمسقط رأسه بقريته” تيلوين” مُلتحِقاً بسُلالة الأسلاف،وروائح أجداده الأشاوس،لكن حتَّى هذه “الأُمنية”لم يُقدَّر لها أن تتَحقَّق كما يلزم،لاعترَاضِ الأهل ، ولإصْرار الأم -وقد كانت وقتئذٍ–على قيد الحياة،على حسَب ما ذكَرت لي السيدة”فاطنة” زوجة الفقيد، فقد وُرِيَ الثرَى بمقبرة أخرى بإحدى مقابر مدينة “مغنية”،وهو-قطعاً-ما لم يُوصِ به الفقيد في آخر كلماته مثلما دوَّن ذلك في كتابه المذكور.

-02-

قد تكون هذه الجُزئية غير ذات أهمية،بالنسبة لأهل الفقيد وعائلته،لكنّها بالنسبة للكاتب تبدو على غاية من الأهمية والحرص على أن تُنفّذَ وصيتُه بحذافيرها ، وأن يُسجَّى جُثمانُه في مقبرة مُعيَّنة، وفي مكانٍ مُحدد، وإلَّا لَمَا تَجشَّم عبء كتابتها،في يومياته، وتمَّ نشرها-بعد رحيله- أمام الملأ والأشهاد، مثلما جاء ذلك بشكل واضحٍ في كتاب “يوميات الوجع “*

يقول عمار بلحسن”إذا أغمضْتُ عيني الإغماضة الأخيرة، هي ذي وصيتي،ادفِنُوني واحفِروا قبري قُدَّام جُدودي في مقبرة “سيدي الحاج عبد الله”، فثمَّةَ مثوايَ وطريقي نحو الرفيق الأعلى،سأنام في حُضن جدودي وأتغطّى بأكفانِهِم، ضَعُوا شاهدا حجرياً أو رُخاميا قُدّامَ رأسي ،واكتبُوا عليه العبارات التالية:” هنا ينام في ملكوت الله في حِجْرِ جُدودِه الكاتب “عمار بلحسن” إلى الأبد ،مُلتحِقاً بمياه الأسلاف..رحمة الله عليه”

هذا الهاجس المُلِح انتابَ الكاتب إثْرَ زيارته الأخيرة لمسقط الرأس بقريته الحدودية “تيلوين” ولمقبرتها الوحيدة ، “سيدي الحاج عبد الله”،لدرجةٍ باتت فيه هذه “الرغبة” تزوره في الأحلام والكوابيس، حَدَثَ ذلك في 19 مارس عام 1992م أي قبل أكثرَ من عام وخمسة أشهر وعشرة أيام من رحيله الفجائعي، يوم الأحد التاسع والعشرين أوت عام 1993؟

وأيّاً كانت الُمبرِرات، أو الأسباب والدوافع التي حَالَت دون تطبيق الوصية، فإنها تظلًّ وصيةً مبتورةً،أو ناقصة غير مُكتمِلةً بالأَساس،لا تُشفي غَليلَ الكاتب في قبره، ولا تجد الاستجابةَ الطوْعية من طرف الآلاف من الناس من قراءِ الكاتب ومُحبيه؟

ثم إنَّ الراحل، لا يستطيع الدفاع عن وصيته وهو تحت التراب، فالأموات لا يتكلمون ،كما يُقال؟

لماذا هذه المقبرة بالذات؟ أي مقبرة “سيدي الحاج عبد الله”، لأنها ببساطة مثوَى أجدادِه وأعمامِه وعمَّاتِه، فقد ضَمَّت هذه المقبرة العريقة، عِظام جدِه الأكبر “علي بلحسن ” والجد الآخر “أحمد الجغرور” وباقي النساء المَمْشوقات من “آل بلحسن” الجميلات مِمَّن التهَم التُراب أجسادَهُنَّ الطَّريَة وقاماتِهنَّ الرشيقة، ولأنها أيضا مَرتع خصب لطفولة “عمَّار” مع إشراقة السنوات الأولى للاستقلال ، حيث روائح الطبيعة النقيَّه تغمر أرجاء القرية الصغيرة “تيلوين”، وتغاريد تلك الطيور البهيجة التي تخترق جدران الذاكرة، وتأْبَى الانفلات من مُخيِّلة الكاتب، المشغُوف بالحكايات والقصص الخرافية، في تلك السنوات الطفولية الحافِلة بالطيش والصعْلَكَة، والمُجلَّلةِ بالبراءة والرهبة والسُّكون .

-03-

لو قُدِّرَ لـ”عماربلحسن” أن يمتدَّ به قطار العُمر قليلاً، ويمنحه وقتًا إضافياً آخَرَ،لَكتَبَ لنا أجمل سيرة جزائرية عن الطفولة، طفولة جيل تبرْعَمت مواهبه الإبداعية مُبكِّرا رغم قساوة العيش والظروف الصعبة التي لم تكن مُسعِفة له في تلك القرى الحدودية المنذورة للأوبئة والموت العبثي في أيِّ لحظة؟

يبدو أنُّه مُبكِّراً أدرك صعوبة التوغُّل في الطرق والمسالك الشائكة، لذلك غامَر، واقتحَم الأزمنة الصعبة و الأماكن القصية،عاشَ أربعين سنة كاملة بالطُول والعرض، زار من خلالها :-نيويورك ، بغداد، باريس ، طرابلس، الإسكندرية، فاس، تونس..الخ لكن في نهاية المطاف خانه الجسد.وخذلته قِواه…فظلَّ رابضاً في مكانه على الدوام كمنارة مُشِعَّة تبعثُ بالتماعاتِها الضوئية كل حين، تُهدِي البَحَّارة والتائهين في الاتجاه الصائب والصحيح.

رحمه الله عمار بلحسن…والسَّكينة الأبدية لروحه

إحالات

-يوميات الوجع ط02 ص 131 منشوراتANEP-الجزائر- 2005

اترك تعليقا