يحتفل الجزائريون خاصة والأمازيغ عامة بالسنة الأمازيغية الجديدة(2963) المعروفة باسم”الناير”،ويسترجعون ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على الملك الفرعوني الملك رمسيس الثالث، وكان ذلك سنة 950 قبل الميلاد. وهي من العادات المتجذرة في الذاكرة الجمعية للشعب الجزائري التي لم تمحها كل عوامل الدهر المتوالية سواء أكانت منسجمة روحا وعقلاً وثقافة مع الأمازيغ كالعرب والمسلمين أوكانت معتدية باغية كالوندال والفرنسيين..
———————–
عندنا في توات”أدرار حالياً” يرتبط” الناير” في ذاكرة التواتيين بمعتقدات مختلفة ومتناقضة أحيانا،تجمع بين التفاؤل بقدومه وهو الغالب،وبين التشاؤم وهو الأقل، لما فيه من بعض الممارسات القلقة رغم وقوعه ضمن منازل سعد السعود في عرف الفلاحين التقليديين،وما يتبعه من نوار وحرث ونضج للزرع…
والناير مناسبة فلاحية بامتياز عند التواتيين، وخلافاً للأمازيغ فإنهم يحتفلون به يوم 14 جانفي من كل سنة بدلا من يوم 12جانفي، وتصاحبه الكثير من المظاهر والاحتفالات ذات الدلالات والشيفرات الاجتماعية والثقافية والدينية، وأسجل هنا أنها تلاشت واندثرت معظمها ولم يبق إلا القلم يحفظ البقية الباقية من التراث اللامادي الغني الآيل للزوال والضياع بكل ثرائه وغناه.
إذن الناير مناسبة مليئة بالدلالات والابعاد الميثولوجية للذهنية التواتية،يتجلى ذلك في الملفوظات والتمثلات والسلوكات المصاحبة للاحتفال بالسنة الأمازيغية،ومن ذلك:
1) وجبة عشاء خاصة: من مظاهر الاحتفال بالناير بتوات التوسعة على العيال وإعداد وجبة عشاء خاصة، تكون باللحم والبيض، ورغم أن الكسكس هو الوجبة الرئيسة عندهم إلا أنه يتفادى في هذا اليوم ،لأنهم يعتقدون أن تفوير” طهي ” الطعام يؤدي إلى تفوير القمح قبل أوانه،مما يؤدي إلى إتلاف الغلة وتراجع المحصول، وتكون تلك السنة منحوسة. وبعض مناطق تعد هذه الوجبة بسبعة خضر وسبعة زروع، ولابد من إتمام العدد سبعة ولو بمواد أخرى ليست من بهارات القدر كالسميد والفرينة.. “والعدد سبعة له بعد ميثولوجي معروف” ،وبعد الطهي وإعداد الوجبة يعطى جزء منها لقطة تدعى “مشة الناير”- ولها بعد آخر سيأتي- لتأخذ البأس معها فلا يأتي طيلة العام !!
2) الناير موسم ملائم لممارسة السحر والشعوذة:
تحتفظ الذاكرة الجمعية للتواتيين عند قدوم الناير بوجود حالة من الهيبة والتوجس،نظراً لانه مناخ مناسب لممارسة السحر والشعوذة ،حيث توفرليالي الناير الطويلة فرصة اختلاء النسوة المشتغلات بالشعوذة لولوج المقابر لقطع أعضاء حساسة من جسد الميت لاستخدامها في خلطات السحر،ولذلك قالوا: “الناير يا بولكباير” أي الذي تقع فيه أمور كبيرة وخطيرة،ومنها وضع السحر للخصوم والأعداء
(3تقرب الملاك من الخماسين(العاملين): تحكي بعض الروايات الشفوية أن ملاك الأراضي الزراعية يتقربون من الخماسين في الناير، ويعزمونهم على مائدة العشاء للتشاور في أمور الحرث والبرنامج الزراعي للموسم الفلاحي، وطرق استغلال الأرض وانواع المزروعات المقترحة، وفي شهر أبريل يقوم الخماس بإعداد وجبة عشاء للمالك فرحا بالغلة ونجاح الموسم.)
4) الناير فاصل بين زراعتين: عند الفلاحين يعطي دخول الناير بداية زراعة بذور البطيخ وتعرف محلياً ب”البحيرة”،ويتم نزع اللفت،ولذلك قالوا:”الناير يا بولبحاير انتف اللفت ودير لبحاير” ، ويخصص الفلاحون التقليديون الناير لغرس شتائل النعناع والبصل والحناء أي ما يعرف ب”العود” أي كل ما يغرس وله عود يثبت بالأرض..
5) زمن للأفراح والفرجة: بعض العائلات تخصص الناير للأفراح والفرجة ومناسبة للخطوبة وعقد القران،عكس بعض الشهور والمناسبات والايام التي يتطيرون منها.
6) قطة النايرأو”مشة الناير”: تعتقد بعض النسوة أن قطة الناير مشؤومة فلا يتمنين الولادة فيه لاعتقادهن أن قطة الناير هي الوحيدة التي تلد فيه. وهي مما يتطير منه في عرفهن.
————-
هذا ما تبقى في ذاكرة الجدات والخالات والعجائز وما استطعت الوصول إليه لمثاقفتك أيها القارئ الكريم.
” كل سنة والعرب والبربر وملة الإسلام بخير“
——————————————————————————
* عبد الله كروم (كاتب وأكاديمي من الجزائر )