من بين الاستفزازات البيانية والأدبية التي لقيتها في بعض المراحل ، وبقيت تسيطر على جزء من اهتمام لاوعيي بيت شوقي :
الإشتراكيون أنت إمامهم * لولا دعاوى القول والغلواءُ !
ربما لحِسِّ شوقي الفكري أراد أن يثير هذه النقطة من خلال تساؤل من يعلم أو من لا يعلم علاقة الإسلام بهذه النظم الاقتصادية ، لكن الإثارة هنا جاءت مختلفةً بيانيا وذات لفتة من حيث صرامة عمود الشعر الذي رفض قديمه اعتماد البيت على غيره فى الوحدة الموضوعية ، وقد جاء صدر البيت موهما تمامه على خطإ ( الذي يفتح قوس الاندهاش؟؟ كيف يكون محمد وليس كارل ماركس؟! وما هي الأسس التي نادى بها صراحةً للدعاية لهذا المبدأ ، أم هناك تأوّل طويل ومعقّد جاء من الأدلّة الشرعية الظنية الدلالة ، بما يشبه النظريّات القابلة للرأي والنقض ..) لكن الشاعر الذي ظل مستمعا لمثل هذا المرج بين شطري بيته المعجب أو المعجز يتمم بثقته اللغوية بحرف امتناع لامتناع / لولا دعاوى القوم والغلواء وهو أن جميع التصورات التي فكر فيها وقامت عليها أسس المبدإ الإشتراكـي هى احتمالات لم تغب عن أذهان كثير من ذوى الفكر السديد قبل ماركس وهى نابعة من فلسفة المثالية التى حلم بها أفلاطون وعجز عن تحقيقها القرون لأنها تضاد الناموس الكوني ، وإن كان يعني هذا الكلام احتمال أو حتميّة نظر سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فى المسألة ، فإنه من باب الحرص على أمته قد ألهمه الله تعالى ذاك الهم وغيره من هموم أمته ، وأوحى إليه معيار العدل في أحلك الظروف ، وكأن أسبقية الرسالة الشاملة التي تنهل من معين الواهب اللدني الواحد ، أبت إلا أن يكون كل خير للإنسانية ينتج عن مشكاتها وجدنا في السيرة هذه النظرية فى شخص أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – والذي اقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم – مبدأ الملكية العامة لكنه – صلى الله عليه وسلم – كان أدرى باستحالة تطبيق أمر مخالف للناموس الكوني ، مع احترامه لرأي أبي ذر – رضي الله عنه – لأن الله لم يأمر بمخالفة قاعدة هو أوجدها وأشار إليها صراحة في كتابه ، والذي نحاول توضيحه هو أن هذه الفكرة لم تكن جديدة ، ولو شاء الله لطبقها في المجتمع الأول (1) لكن ستضطرب الحياة ، وسيلجأ إلى إقصاء كل مبدإ للتعامل المادي الناتج عن الفروق والقدرات الماديّة ، ثم تحصين المجتمع من أكبر أزمة والرجوع به إلى أدنى نقطة في الحضارة الموغلة في البدائية والتوحش ، ويكون حتما شرع آخر ونظم لا يعلم كنهها إلا العليم الخبير ، لذلك جاء بيت شوقي الثاني شارحا بعض الشيء ومعللا تعليلا أدبيا لإحداث المفارقة المعجزة بين واقعية الرسالة الإلهية وظلم الهمجية البشرية :
داويت متئدا وداووا طفرة * وأخف من بعض الدواء الداءُ !
أجل ، ودليل سفاهة الطفرة عدم كينونتها الواهية ، إذ سرعان ما انهزمت هذه المساواة الجائرة أمام الواقع العادل في أفضلية الناس بعضهم على بعض في الرزق ، ودواء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء بمعايشة هذا الواقع بتربية النفس على البذل والصدقة والإنفاق والمسارعة في الخيرات ، ثم بإنشاء المعاملات البناءة المبنية على أصول ربانية حتى يتعرف الناس إلى حجم الغبن الذي مورس في حقب الجاهلية المبني على أفكار دنيوية ضيقة(02) ، ..
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)- ولو تأملنا تباين حصص الورثة في التركة ، لوجدنا عين العدل في ذلك التباين ، وأكبر مثال فيه : حصول الذكر على مثل حظ الأنثيين ، وبتعبير مصطفى صادق الرافعي : أن البنت بأخذها 50 بالمئة ستأخذ مثلها من مهرها ، وأخوها سيهب 50 بالمئة لزوجه ، فلو أخذا نصيبين متساويين يكون نصيبها مضاعفا في حين لا يبقى له شيء ، مع أنه هو المكلف بالنفقة والتجهيز ، فأين تقع العدالة في هذا التقسيم المحيّر ؟!
• 02) – وقد طبق مبدأ الأرض لمن يخدمها في سبعينيات القرن الماضي في الجزائر ، وكان إقليمنا من بين الأقاليم الذي مسته هذه المحنة باعتباره بلدا فلاحيا ، وإلى الآن مازالت آثاره البشعة في نفوس بعض الضحايا ، حيث عمت القطيعة والعداء بين أفراد المجتمع الواحد المسلم ، وفيهم من مات على تلك الحالة والعياذ بالله !!
——————————————————————————————————————-
* محمود عياشي (كاتب من الجزائر)