رسالة ” الامتزاج في الحياة القصيرة ” …/ خالد ساحلي *
بواسطة مسارب بتاريخ 7 فبراير, 2013 في 04:03 مساء | مصنفة في أخذ و رد | لا تعليقات عدد المشاهدات : 2323.

*******************
قصيرة هي الحياة إنها لقصيرة أكثر مما تتصور بكثير، تطرح السؤال على نفسك كلما وقفت على ماهية وجودك وركبت حصان تخمينك لأي دور سيوكل لك في مضمار سباق الحياة؟ إنك أحيانا كثيرة لقلق تريد فعل أشياء كثيرة، تنبهر بأعمال ووظائف قد تكون خارقة ، تتمنى في أحلامك لو تصل إلى ما هو خارق للعادة لو استطعت إلى ذلك سبيلا؛ تريد فعل أشياء كثيرة في وجودك، تحقق مِهَنًا، تستمر في بحثك متعبا في تحقيق الشاهد الذي يرفعك درجة فوق الدرجة التي أنت عليها، يستهويك السير مفتشا عن مداخل لمدن الفضول، يقودك إلهامك في الأخير إلى حقيقة نسبية، تنتظرها في غيب الله وأنت تعلم أن لا أحد يختار وجوده في الحياة ماذا يكون، مخترعا، عبقريا، راعيا للغنم أو بائعا متجولا في الأسواق، أو ساقيا وبائع خبز يحمل كيسه على كتفه قاطعا المسافات مستلذا بعناء البكور شاكرا برضا قلب وخاطر ما اختاره الرب.
إن الأحلام الكثيرة التي تكبر معنا في حياتنا القصيرة منحتها لنا الأمهات لمّا حبلن بنا، تحلم الأم بابنها يرفع الغبن عنها حين يصير رجلا، ترسم في مخيلتها جماله بما يشبه القمر، يتزوج من ابنة رئيس البلاد ومليكها ويغدو أكثر شهرة من حاتم الطائي، تتمنى أن يصير مغنيا أو شاعرا يبهر ويخطف القلوب من أصحابها؛ تكبر الأمنية لتتمناه جنرالا قائدا للجيوش لا يهمها وفي هذه اللحظات بالذات إن كان مفسدا أو طاغية أو جبارا ، قليلات من تتمنى ابنها محبوبا عند الناس.
قصيرة هي الحياة قليلون من يفكرون في رد دين الأحياء و الأموات الذين منحونا أشياء كثيرة على حساب حياتهم، تطرح السؤال على نفسك:
” كم نحن مدانون بحياتنا لأولئك الذين ساعدوا في خروجنا للحياة؟
إن وظائفهم دينا حقيقيا في أعناقنا لا يرد إلا بخدمة أجيال كثيرة آتية متلاحقة، تسأل نفسك ماذا ستقدم لهؤلاء؟ و ماهو دورك في الحياة ؟
الإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا كان كله لأخيه الإنسان كما جاءت به الكتب السماوية ــ قبل أن تزيغ الإنسانية وتعمل على هلاكها وفنائها ــ إن القوانين البشرية لعبة أطفال مسلية حين تخالف فلسفة الحياة الحقيقية بمنطق الخير مستعملة العقل لتحديد المهام وتوزيع المسؤوليات داخل النسيج العام للإنسانية.
تسأل نفسك: أي معنى لسعادة الإنسان إن لم تتوقف سعادته و ابتسامته وفرحه وهنائه على ابتسامة وهناء الآخر؟ إن جنكيز خان أرهبته الأم الموجوعة في ولدها، لقد تحدت حرسه القساة القلوب بلا رحمة ، حينها كان القائد العظيم فرحا مغمورا مزهوا بالنصر المحقق؛ لقد تحول فرحه إلى لحظة ضعف أمام إحساس حزن أم باكية، لقد أعطى الأمر بأن يرد ابنها الذي في أقصى الدنيا.
نخطأ حين نطلق أحكامنا المطلقة على الناس قد يستيقظ الضمير والإحساس فيهم بألم يأخذ طريقه إلى قلوبهم.
إن سعادتنا وهنائنا في الحقيقة يتوقف على سعادة الآخر، تلك هي أسمى درجات الغبطة في النفس حين تتحول إلى اهتماما للآخرين، إن القيم في تبادل الأدوار هو ما يجعلك تقدم المساعدة وتتنازل عن تلك اللحظات لأجل غيرك فيتحول ألمه وألمك إلى تضامن متبادل. من أبكى خليفة المسلمين عمر وحوّل ألمه إلى سعادة حينما شبع الصبية وناموا، لقد حآج نفسه وبّخها على أمر لا إرادة له فيه؛ إنه الوقوف على سعادة الآخرين وفرحهم. إنه الوقوف حتى على سعادة الحيوان و شكوى الجمل للرسول صلى الله عليه وسلم، سعادة الحشرات حين يأمر نبي الله سليمان جيشه الحيطة من تحطيم مملكة النمل.
الإنسان للإنسان و المصير مرتبط بعضه ببعض والهلاك سائر فيه حين التخالف وتضارب وتصادم المصالح التي لا يجعلها متبادلة متماسكة غير رباط العقل الذي يمنح الخير للجميع.
إن التفاضل سمة الطموحين لخدمة الأهداف السامية، لهؤلاء نحن مدانون بأشياء كثيرة؛ الطموحين بتنافس شريف شرعي لا يستهجنه الدين و لا يعاقب عليه القانون. إن المصائر مرتبطة بعضها ببعض و الإنسان لا يملك الحرية ما لم يساعد نفسه لطموحها أو يساعد أخاه في طموحه المشروع، لن يكون عاقلا ما لم يكن في خدمة الإنسانية جمعاء، فالأنانية صفة ذميمة مفسدة للنفس و العائلة و الأنظمة.
ليست الأنانية التفكير في النفس تحوّلا إلى حيوانية فقط بل هي أكثر من ذلك، إن لفي الحيوان تقاسما للمنفعة مع القطيع لأنه مطبوع على الغريزة التي وضعها الخالق فيه، إنه التفرد في كل خلق.
تسترشد بالأحكام الملهمة من خير وجمال وحق، إن المُثل دليل راحة داخلية ومستقر اطمئنان، الحافظ الوحيد للأمان.
لقد أستطاع غاندي أن يواجه بقوة المثثل قوة السلاح وينتصر في الأخير للحرية والاستقلال، لنا الحق في اعتناقها والاسترشاد بها في حياتنا لأنها تصب في خدمة الإنسان فالبحث عن الراحة و السعادة هدف الجميع، لكن كيف نحققه؟
تطرح السؤال على نفسك لتكتشف كم من بحار الدم سفكت في تاريخ الإنسانية المرير؟ كم من ممالك دمرت وكم من خلق قتلت ودفنت و أحرقت وصلبت على مداخل المدن؟ إن تاريخ الإنسانية مفجع موجع لا يبعث على التفاؤل؛ تتصفح أوراقه تتمنى عيش اللحظة و لا يربطك بالماضي بشري ينغص عليك عيشك.
تستهوينا قراءة التاريخ حين نغرف من معين الخير لأولئك الذين رفدوا معاني الإنسان إلى مراتب الكمال والعزة.
إن الإنسان ليحفر عن السعادة و الراحة بحثا عن سبل كثيرة تتطلع إلى رقي الإنسان لتمنحه حرية التصرف في قرارات حياته بنظام يسعى من خلاله التعبير عن نفسه.
تطرح سؤالك كيف يمكن لكل صانع في الحياة أن يستثمر حياته القصيرة في دائرة صنعته ومصنوعاته التي رضوا لها بحد بمهاراتهم و إتقانهم مضاف الإعجاب والرضا بما توصلوا إليه بمهاراتهم ؟ لا شك أن الصنعة الذهنية أكبر تحدي إلا أن الذهن يبحث غالبا إلى ما لا سبيل إلى بلوغه لكي لا يصل إلى حقيقة رضا كلي بما حصّل فلو اكتملت حقيقة الأشياء فما معنى للحياة.
الحياة الحقيقية غير خاوية من الهم المعرفي و الفلسفي و العلمي الذي يخدم الإنسان فتكبر معه المسؤولية وتُرفض الحدود المثبطة للعزيمة و المبادرة الكابحة للطموح المرسومة في المجتمع والدولة، تلك الحدود هي مطامع المرتزقة و التجار الجبناء والساسة مرضى النفوس؛ وحدهم من يكبحون إرادة التغيير والخير.
تطرح السؤال: ما مصير الذين شبعوا الجري وراء امتلاك النجاح الخارجي عن محيطك كما يصفه أينشتاين من شهرة ورغد العيش و امتلاك الأموال الضخمة وأرصدة في بنوك كثيرة و السيطرة على مصائر البشر؟ ما مصير الذين لم يقاوموها؟ لقد عاشوا عبيدا و أفسدوا أيامهم وطبائعهم، ساوموا بشرفهم لأجل تحصيلها فكانوا ضحايا جريهم المهلك؛ يجهل الخلف المنهمكون في بريقها أن الحياة البسيطة هي الأفضل على الإطلاق، المقتنعون بها غرسوا منطق الإنسانية شجرة الانتماء الوحيد.
تختلط بأصناف الناس كبيرهم وصغيرهم ، عاقلهم ومجنونهم، ذكرهم و أنثاهم، فالناس مستويات ودرجات من الفهم و الحكمة ليس دورها مقتصر على أشخاص بعينهم حتى الحمقى صاروا يشككون فيما يدور من حولهم، لقد ردوا بذلك رأي برتراند راسل المشهور:” قد يمنحك الناس بصائر الأمور إنهم الدرس الملهم”. امتزاج الفهم بآراء الناس يعطيك قابلية السرعة في الوصول إلى خط النهاية للإشكاليات المستعصية على الفهم و الحل.
تختلط بأصناف الناس، هم الوحيدون مصدر استخلاص العبر كلما استهجنت فعلا قبيحا يدفعك لتقويم سلوكك، كلما سخّفت فكرة ورأي حاذرت في استنتاجاتك و تحليلاتك.
إن الوحدة قاسية ومتعبة وفي امتزاجك بألوان لا تتلاءم مع طبيعتك تتحلل خصائص كيمياء تركيب لونك ، إن حدوث الوحدة داخل النفس في ظل اختلاطك بالناس هو ما يجعلك مميزا، يحفّزك و يجعلك موضع الشك و الاتهام، هدفا للرميات المسددة بدقة، تكثر عليك الطلقات.
تعيّن خطوط سيرك داخل الحياة القصيرة، بعث جديد، تخالف سبينوزا حين يعتبر التعيين هو الفناء.
أليس الانتماء إلى حلقة الإخلاص امتزاج كلي؟ الناس حلقات تختلف كل حلقة عن الأخرى في الحجم و الشكل واللون والاتساع و الانكفاء على النفوس ينمو مع مر السنين فكلما تضايقت حلقات الآخرين فسدت الطبائع وكثرت المشاغل والمطالب، ينمو شعور النفس بالكراهية كلما خاب ظننا في الآخرين الذين رسمنا لهم صورة جميلة داخل إطار حياتنا الداخلية يضيق الرحب، يتدارك الضمير الأخطاء ويحط من اختيار تحوّل إلى خطايا، محكمة ذاتية على ذنوب مقترفة في حق أنفسنا.
الاعتزال شكل جميل ومذاق مرّ وتفهم عواطف الآخرين يقربنا منهم أكثر، مهما اخترنا العزلة فتفهمنا لحالتهم يعتبرونه تعاطفا ايجابيا معهم ، نحترم الجميع في ظل امتزاجنا، نحترم الأموات و الأحياء على حد سواء لا نقدس شخصا بعينه مهما بلغ أمره مبلغا كبيرا فربما الإعجاب و التقدير المبالغ فيهما كثيرا يصنع الطاغية.
النقص في فهم ما تحمله الطبيعة البشرية تأكيد ذاته لضعفها وهشاشتها، تطرح سؤالك: كيف السبيل لبلوغ غاية ما في الحياة ؟ إن الفشل حليف كل من يملئ الحياة ضجيجا فارغا لأن النجاح تتميز به المجتمعات التي اختارت من شخص قيادته وأما الميزات الاجتماعية الزائفة التي يفرضها الأفراد داخل النظام الواحد التي تقوم على مبدأ القوة أولا و أخيرا محكومة بالزوال لأن الفساد لصيق المنظومات الاستبدادية الممارسة للعنف و القهر التي تجذب الدونيين ومن أطاع عصاك فقد عصاك كما قال ميخائيل نعيمة و لن يخلف الطغاة المرموقين غير الأراذل المنبوذين و لن يخلف السفهاء غير الفسّاق ورغم أنوفهم فالخير ماض إلى يوم الدين.
الحياة قصيرة أكثر مما نتصور لأن امتزاجنا في النهاية يكون بالرجوع إلى اليقين الحقيقي لأنه الكمال.

 

 

 

 

 

——————————————————————–

* خالد ساحلي ( كاتب من الجزائر )

 

اترك تعليقا