العنوان غريب نوعا ما أليس كذلك؟
الفكر البديل اسم خطر لي بعد اقترابي من الحركة الوطنية الفلسطينية و تعرفي على بعض أوجه النضال الفلسطيني قديما و حاليا، فلسوء الحظ أو لعدم كفاية الوسائل و عدم نجاعة الكفاح ـ ربما ـ و لأسباب لا يمكن حصرها في بضع جمل لم يتمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على استقلاله رغم مقاومته المستميتة للاحتلال البريطاني أولا منذ دخول الفلول الأولى لقواته لهذه البقعة الطاهرة من العالم العربي و لم يتوقف عن بذل المزيد من الجهود للتحرر.
عدة ثورات اندلعت و أساليب كثيرة اتبعت و دروب طرقت و أحزاب سياسية أسست ، على أمل طرد المستدمر من أرض الرسل و الأنبياء، و أجيال توارثت مفاتيح العودة و حكايا أبطال قادوا الثورات او ماتوا خلف جدران المعتقلات و كتب ألفت و قصائد عصماء روت قصة شعب رفض التهويد و التطويع و التطبيع…
و القضية الفلسطينية يعتبرها الكثيرونقضية قومية ،و يجب على كل العرب المساهمة في حلها ، فالسنين تتابع و الأيام تمر ،و أكثر من نصف قرن مرّ ـ 65 سنة ـ و لا أمل في الأفق لحلها ، فالأمور تزداد تعقيدا و القضية ما فتئت تتشعب أكثر فأكثر ، ليتسلل لقلوب البعض فكر انهزامي بشكل خجل في البداية لكنه مع الوقت احتل مساحة كبيرة في أذهان البعض و أصبح سلوكا و أسلوب حياة …
و يعزو البعض انتشار الفكر الذي يؤمن بأن القضية الفلسطينية قضية خاسرة ،و أن العدو الصهيوني أقوى من أن يهزم ـ جيش لا يهزم ـ إلى نتائج اتفاقية أوسلو ،و رضا الأغلبية بالقليل الذي تحقق و ركونه للراحة
و هنا نجد مجموعة لا يستهان بها لم تهتم مطلقا بأسلوب المهادنة أو التفاوض و لم تسع مطلقا للتطبيع أو التعامل مع الكيان الصهيوني بل تبنت أفكارا تحررية إيجابية من خلال النشاط المستمر لإبقاء الهدف من النضال الفلسطيني واضحا و غير قابل للتغيير أو التمييع في آن واحد ،و هذا الهدف هو استقلال فلسطين و استعادة الشعب الفلسطيني لأراضيه و رفض كل أشكال الاستيطان و العمل على ايقافه و طبعا الوقوف في وجه السياسة الاسرائيلية الرامية إلى القضاء على كل ما يمت بصلة لفلسطين و شعبها، فتقام المهرجانات و الملتقيات و تقدم المساعدات في أماكن مختلفة من بقاع العالم ،و تشحذ الأقلام و تستخدم وسائل الاعلام لفضح تجاوزاتالصهاينة في حق الإخوة الفلسطينيين … كلٌّ بشكل متفرق و دون تنسيق ،و غالبا هو نشاط مناسبات لا أكثر ، الهدف منه التذكير بأن هناك شعب يرزح تحت نير استدمار استيطاني و أن هناك قضية تنتظر الحل منذ فترة طويلة,,,
أفكار خلاقة تظهر كل يوم على الساحة ، فلماذا لا تستغل في إطار ممنهج و منظم ؟ لماذا لا يتم وضع خطة محكمة أساسها التنسيق و التفاهم لتحقيق نتائج حقيقية و على المدى الطويل و المتوسط بدل المدى القصير الآني فحسب؟ لكن كيف ذلك؟
الأمر يبدو في غاية البساطة و سذاجة في آن واحد ، تُحيى مثلا الكثير من المناسبات فلماذا لا يحتفل بها في يوم واحد و ببرنامج واحد في عدة مناطق من فلسطين و في الشتات و حتى في الدول العربية الداعمة للقضية الفلسطينية ؟ ، قلنا برنامج وحاد يكون محكماً ودقيقاً و يحقق أغراضا دقيقة …و لماذا لا يرتبط الفلسطيني في الشتات أكثر بوطنه ،و هنا لا أتحدث عن المهاجرين الفلسطينيين من الجيل الأول بل عن الأجيال التي ولدت في الشتات ، و ذلك بالحرص على إنشاء مدارس لتعليمهم اللغة العربية و التاريخ معا ، يدرسون تاريخهم و بلغة أبائهم ، و في هذه الحالة ليوضع لتلك المدارس منهاج دراسي يتوافق مع حاجيات القضية و في آن واحد يتكيف مع عقلية شباب اليوم و يستخدم أفضل الطرق البداغوجية دون دفع هؤلاء للنضال ، فقط يتعرف على تاريخ فلسطين و تراث أجداده ، و يظل قريبا من وطنه و آليا سيبحث بنفسه عن سبل جديدة للنضال من أجل بلده؟
ولماذا لا تقام محاضرات و مناظرات علمية بشكل منظم من طرف شخصيات فلسطينية ناشطة و مثقفة ، تظهر الوجه الآخر لفلسطين و ليبدي هؤلاء ـ لأنهم القدوة ـ ارتباطهم بوطنهم الأم ،و لتوجه تلك المحاضرات لجميع فئات المجتمع خارج فلسطين ، سواء كانوا فلسطينيين يقيمون في الشتات أو للعرب في مختلف الأقطار العربية …
و لتستغل الأموال التي تجمع لصالح فلسطين لتحسين الأوضاع فعليها و على المدى الطويل و لتكوين إطارات فلسطينية ترفض التهجير و تقاومه ، بدل استغلال ما يقدم لمساعدات طبية و غذائية تساعد البعض دون الآخر و لفترة زمنية فحسب…
و لتلغى كل الأفكار التي تتحدث عن الهزائم ، عن أضرار النكسة و تحطم الروح المعنوية إثر النكبة …و ليعاد دراسة تلك الأحداث بشكل ايجابي و تستخلص منها عبر توصل للنصر بدل توارث أفكار الهزيمة …ففي النهاية هناك شعوب حصدت مئات الهزائم قبل أن تحقق انتصارها الحاسم ،و خسارة معركة أو معارك لا يعني بالضرورة الاستسلام ومحاربة فكرة أن الذي انهزم البارحة سيظل منهزما اليوم و غدا…
الفكر البديل بكل بساطة : هو غرس روح المقاومة الايجابية التي تؤمن بالانتصار دون الهزيمة ،و الفكر البديل هو كل نشاط يهدف إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مهما كان نوع هذا النشاط ، مظاهرة ، محاضرة ، مناظرة ، مقالات ، قصائد ، مساعدة المتضررين داخل الأراضي المحتلة …كسب أصوات جديدة لصالح تمثيل فلسطين في أكبر المنظمات الدولية ، كسر جدار الصمت ،و محاربة كل من يضيق على الفلسطينيين في الشتات و الحرص على أن ينالوا القدر نفسه من الحقوق التي يتمتع بها مواطنوالدول التي يعيشون فيها فمن غير المنطقي أن يحصل أحدهم على الجنسية و يعامل بقوانين استثنائية ،و رغم أنه أفنى حياته في خدمة تلك الدولة و مجتمعها …
و الأهم أن يظل الفلسطيني فلسطيني القلب و الانتماء حتى لو تمتع بجميع الامتيازات في الدول التي استقبلته فمن أسوأ الأمور أن يصبح الواحد منهم فرنسياً من أصل فلسطيني على سبيل المثال ،و يجب الحرص على نقل القضية للصغار ليظل الارتباط بالحرية و الوطن عصب حياة و أمل يرفض المغادرة …
الفكر البديل يؤمن بالانتصار إن لم يتحقق الآن، أو بعد سنة او سنتين ، فبعد عشرة ،و مئة سنة …فكر يزرع الأفكار التحررية الايجابية الآن ،و يدرك حملته أن بعض الثمار ستجنى الآن و بعض ما زرع سيحتاج لوقت طويل ، فكر يشبه شجرة الزيتون صحيح تنمو ببطء لكنها تعمر طويلا و تقاوم طويلا …فكر يرفض التطويع و التطبيع و المحاباة و يراهن على الغد القريب البعيد في آن واحد ، وتحت مظلته يجتمع هؤلاء المسنون الذين عرفوا الماضي و حافظوا على أمل العودة ،مع كهول اليوم الذين شقوا درب الحياة ليواصلوا المسيرة ،و شباب اليوم الذين يحاولون التمسك بوطن يعيش فيهم و أطفال يبحثون عن عبق الوطن في وجوه الأكبر سنا …الفكر البديل شمعة تجدد نفسها لتتحول لمشعل حرية سيضيء ربوع القدس عندما يأذن القدر بذلك ، فالملايين يحرصون على إبقاء الشمعة مضيئة لأنهم يمنحونها وقتهم ،و صحتهم ، مالهم آمالهم…فالحرية تستحق في النهاية كل تضحية.
——————————————————————————————–
* ناردين دمون ( كاتبة من الجزائر )