“الرايس” لهاجر قويدري.. البناء الفني وإشكالية التجنيس/ د محمد الأمين بحري *
بواسطة مسارب بتاريخ 3 مارس, 2016 في 12:45 مساء | مصنفة في حفريات | تعليق واحد عدد المشاهدات : 2367.

يحاول نص “الرايس” لهاجر قويدري في حبك قصته، الاشتغال على تيمة شخصية تاريخية (الرايس حميدو) بقليل من التوثيق، وكثير من التخييل، حيث سيطر السرد الاستبطاني (المونولوغ، المناجاة، تيار الوعي)، على السرد الخارجي الذي ينم على عدم تحقق الكاتبة من كثير من الوقائع التاريخية التي بقيت علامة استفهام، بدأتها الروائية و لم تنهها(مسألة موقف الحكومة العثمانية في الجزائر(نهاية القرن 18) من الاستعمار الإسباني لوهران، والطرف الحقيقي الذي يعزى إليه طرد الإسبان من المدينة، إن هو الأهالي وشيوخ الزوايا الصوفية كما جاء في عديد الوثائق التاريخية، وليست الحكومة العثمانية التي كانت متواطئة بحسابات استراتيجية من الإسبان)، وهي مسألة خلافية تحتاج لكثير من البحث والتوثيق الذي لم تعره الكاتبة كثير اهتمام و لم تحسمه حتى..

ثانياً: تقنيات السرد :
الأمر الذي يشد القارئ في رواية الرايس حتى نهايتها هو استراتيجيتها السردية من فصل لآخر القائمة على ما يسمى بتقنية (الرؤية مع) التي لا تسمح للقارئ بمعرفة أو توقع الحدث إلا بعد روايته على لسان راويه، فلا يسبق أحدهما الآخر (الراوي و القارئ) ولا يتأخر عنه في معرفة الوقائع الأحداث المروية.. بالإضافة إلى تقنية نادرة في الحكي، وهي التواتر بين عدد من الرواة الذي بلغ السبعة، والمدهش في هذا النص هو أن الكاتبة نجحت إلى حد بعيد في تدوير عجلة السرد، بين سبعة رواة (بفاريتو- مريم- سيد علي- مصدق- تالار- يحي مديلي- جون جاكسون)، تآزرت أصواتهم في سرد موضوع وحيد، يوسع مدارات الأحداث والشخصيات والظروف المرتبطة من قريب ومن بعيد بحياة الرايس حميدو الذي لم يكن أبداً من الرواة، بل كان البطل المروي عنه بما هو الموضوع الرئيس لحديث كل راوٍ من الرواة السبعة.
وما يجب التنويه به هو أن هذه التقنية من أصعب تقنيات السرد، خاصة إن كانت بطريقة (الرؤية مع).. وهي في نظري نقطة قوة الرواية بأسرها.

ثالثاً- فضاءات السرد:
تسبح الرواية في فضاء زمني يمتد بين (1791و 1815)، تاريخ وفاة الرايس حميدو، الذي يظهر لنا في أول ذكر له وقد خرج من البحر، و ينتهي برمي جثمانه في البحر كما أوصى، و بين اللحظتين، تعتمل حوادث صغرى، بصورة مخيالية شائقة توحي للقارئ بأنها هي سبب تفجير الحوادث الكبرى، بالإضافة إلى انفتاح الفضاء السردي على وصف ما يعتمل من أحاسيس و أهواء داخل العوالم الباطنية للشخصيات.
أعتقد بأن الاقتصار على الدراسة البنائية السردية للعمل تبقى قاصرة دون الاضطلاع بمكنونه، الذي أرجح بأن أنسب دراسة يستحقها هي تطبيق منهج سيمياء الأهواء وفق نظرية جاك فونتاني (Jacques Fontanille)، وهو ما أدعو الطلبة الأكاديميين إلى اعتماده لتوافر مادته اشتغاله بشكل كبير في هذا النص.

رابعاً: مورفولوجيا النص وإشكالية التجنيس:
– في أولى الملحوظات التي سجلتها .. يبدو السرد في هذا النص أقرب إلى الجنس القصصي منه إلى الجنس الروائي، لسبب بسيط هو عدم وجود عُقَد، أو بالأحرى إشكالات مكتملة تفصل كل جزء من أجزاء النص عما يسبقه وما يلحقه، حيث تبدو المقاطع المتواترة- إذا تم جمع المتجانس منها- شذرات يكمل بعضها بعضاً، فالمقاطع المروية على لسان أي راوٍ من الرواة السبعة تشكل قصة واحدة لا تحمل أية عقدة تحتاج إلى حل قد يحيل إلى انفتاح عن إششكالية أخرى و حل آخر و فصل آخر..
– الملحوظة الثانية، هي أن الرواية لا تعتمد التقسيم إلى فصول، بل إلى مقاطع متسلسلة أطلقت الكاتبة عليها تسمية الأحاديث (حديث فلان)، حيث لا يتعدى المقطع الواحد في أحسن الأحوال العشر صفحات. وقد جاءت الرواية في 34 مقطع حديث موزع على سبعة رواة، على الشكل الآتي: (بفاريتو= 10 مقاطع)، (مريم= 7 مقاطع)،(يحي مديلي=6 مقاطع)، (مصدق= 6 مقاطع)، (جون جاكسون= 3مقاطع)، (سيد علي= مقطعان)، (تالار= مقطعان). مما يجعل بيفاريتو حسابياً هو راوي الرواة.

إذا عمدنا إلى جمع المقاطع الخاصة بكل راوٍ، سنجد بأن الرواية تشتمل فقط على سبعة مقاطع، وأشدد على كلمة مقاطع، لأننا حتى بعد جمعها سنجدها المقاطع الجزئية الخاصة بكل راوٍ متسلسلة تسلسلاً منطقياً، دون أن تشتمل مجتمعة على أية إشكالية معينة، أو إن تكلمنا بلغة السرد نقول: لا تحتوي على عقدة تستحق أن يتمحور حولها فصل يتميز بها عن بقية الفصول.. لهذا نتفهم لجوء الكاتبة إلى تقنية المقاطع المتواترة، بدل الفصول المتمايزة بعقدها و حلولها الممكنة..
وفي انعدام العقدة الخاصة بالفصل، وانعدام الفصول بحد ذاتها، و بروز التسلسل الحكائي المنطقي في حديث كل راوٍ، جعل هذا الأمر من النص قصة مسلسلة في مقاطعها وليست رواية بالمفهوم التقني والبنائي للجنس الأدبي.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن كثير من الكتاب الشباب لا يميزون فيما ينشرون بين البناء القصصي والروائي، ولا يبحثون في مسألة الجنس عندما يكتبون نصوصاً ويضعون على غلافها الخارجي كلمة (رواية)، دون أن يتحققوا من مطابقة نصهم لمتطلبات هذا الجنس، أو مراعاة حدوده ؟؟

 

 

 

 

 

* ناقد وباحث جامعي من الجزائر 

 

 

َ

 

التعليقات: تعليق واحد
قل كلمتك
  1. السلام عليكم

    مرحبا ..

    أظن أن الروائية “هاجر قويدري” قد أبدعت في هذه الرواية – رغم العيوب التي ذكرتها ..لسبب واحد هو أنها اختارت

    موصوعا صعبا لفترة معقدة تختلف فيها الرؤى وتتباين فيها المواقف..

    أشكرك أستاذي..

اترك تعليقا