العقل في سعيه لتحقيق فكرة الحياد يشبه الوقوف على السراب لأن الحياد قضية هامة و لصيقة بالفكر الإنساني هذا الإشكال مازال يقصم ظهر تاريخ النقد و يتمثل في الذاتية و الموضوعية ، بل تاريخ الرأي هو تاريخ الصراع الدائم بين القبول و الرفض . و هذا الصراع ظلت تغذيه تيارات فلسفية و مذاهب فكرية ، و عليه من الصعب التفكير في اختزال هذا الإشكال أو الزعم بالفصل ، أو الانتصار لطرف دون آخر ، فهذه المقابلة التي تحمل في طياتها متقابلات و متناقضات تشبه إشكالية الوعي و المادة في تاريخ الفكر الفلسفي .. كيف ذلك ؟؟
أقول بأن القراءة المحايدة حلم يطمح إليه دعاة الموضوعية في النقد و نقد النقد ، كما نجد دعاة الوضعية الذين أرادوا محاكاة كل ماهو خاضع للمنهج العلمي من نتائج دقيقة فلا نقبل على مستوى الآراء التي تخضع للخيال و النتائج التي تختلف من ذات إلى أخرى، حسب الأفكار الخاصة < و المشتركة بين العقول بأن تحقق هامش التماس الذي يرسم قواعد تجعلنا نقر بالحياد في الفكرة ، لأن الإبداع يقف في لحظة تقرير لحكم ” ما ” حول نص مكتوب أو شفاهي ” و الغالب هو حول النصوص التي تكتب ، هذا الحكم في النهاية هو حالة رجحان قابلة للمساءلة و إعادة النظر و كل ماهناك هو القرب و البعد من الحقيقة حسب ما يمتلكه العقل من معارف اتجاه موضوع ما . من هنا كان الصراع الفكري من أجل الوقوف على تحليل فلسفي قابل للوصول إلى الحياد أو الإشراف على حدود الحياد ، فنجد مصطلح التشريح الذي يصطنعه عبدالله محمد الغذامي في مؤلفه حول الخطيئة و التكفير من البنيوية إلى التشريحية construction قراءة نقدية لنموذج
إنساني معاصر ، و الذي يقابل التقويضية Déconstruction فتكون أمام تفكيك للرأي بل يقتضي الموقف تشريح البنية حسب النزعة التفكيكية و البنيوية من ميشال فوكو إلى جاك دريدا ، لأن هذه من تلك في محاولة للحياد ، و هي صورة كلينيكية لبنية الفكرة ، و كأن اللفظ عاجز أو مبهم نريد له كينونة أخرى لنعالج بها المشكلة المطروحة في صياغ الفكرة الجديدة و التي تعد كلاما يتم رصفه حول أفكار تختلف حولها العقول بكل موضوعية بمقياس القرب و البعد عن الحقيقة .
و منه كان الرأي انزياح من دائرة السياق إلى دائرة النسق ، بمعنى أن الحياد في ظل لغة النسق يظل هشا و لا يحمل الفكر الوثوقي الذي
يعتقد أصحابه بأن المساءلة لا تتسرب إليها .
/
* شاعرة وباحثة من الجزائر