جماليات الكتابة عند الشاعر عبد الحليم مخالفة -قراءة في ديوان”صحوة شهريار”-/ د.وليد بوعديلة
بواسطة admin بتاريخ 20 سبتمبر, 2021 في 05:08 مساء | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 463.

     يواصل المبدع عبد الحليم مخالفة سفره الشعري المغامر والمختلف،عبر قصائد فيها الكثير من  الجماليات والحكايات ،في ديوان “صحوة شهريار “،في طبعته التونسية،2020،دار الفردوس للنشر والتوزيع بجندوبة،بعد طبعة أولى بالجزائر.

       ومعروف عن الشاعر والأستاذ الجامعي مخالفة تفاعله مع السياقات الجزائرية والعربية،ومواكبته التحولات والتغيرات السياسية والاجتماعية،قبل أن يوظفها بتقنيات استدعاء الموروث الشعبي والأسطوري والديني،وهو ما يتجلى بعمق جمالي وبهاء فني في قصائد هذه المجموعة،فقصيدته المطولة “شهرزاد والليلة الثانية بعد الألف” هي عبارة عن قصة شعرية،فيها إحالات على الشأن الوطني في زمن الإرهاب والقتل والنار،في تسعينات القرن العشرين،حيث دخلت الجزائر في متاهات الفتنة والصراع والتطرف والاغتيالات والمجازر الجماعية….

      وفي النص بحور الشاعر الحدث التراثي والأسطوري،ويمارس التحوير في القصة الشعبية،حيث لا تواصل شهرزاد حكاية قصص الحب والغرام والشاطر والتجار في البوادي والأسواق العربية،فهي تريد أن تحكي قصة وطن حاصرتهم الدماء والدموع والأحقاد،نقرأ رمزية الفردوس /الجزائر،وتبدأ الحكاية:

“عن جنة الفردوس

كيف انتهت بجمالها وجلالها

مابين كثبان الرماد

سأقص عن غول الفناء

وقوافل الشهداء…عن

أسطورة العنقاء والعشر الشداد”

     ثم يقرأ القارئ مشاهد النواح والألم في الوطن،وكيف ضاع الإنسان واحترق المكان،ولا تجد شهرزاد كلمات التعبير عن الفجيعة والجنون،فبعد أن كان الوطن يتغنى بأفراحه وأحلام الاستقلال والبطولات وطموحات مجد الثورة التحريرية التي أخرجت الاستعمار،صار يحي يوميات الفتن والرصاص بين أبنائه…فأي كلمات تحكي ما حدث؟وهنا نحيل على كثير من النصوص الإبداعية التي واكبت الفتنة ونقلت مشاهدها،وفي الكتابات حدث الاختلاف الجمالي والفكري في التعبير عن المحنة والمأساة والحرب الأهلية،حتى أنه ظهر في الجزائر مصطلح الأدب الاستعجالي،وهو يدل على روايات وقصائد لم تستطع التعمق في الذي حدث في زمن الموت والدمار بالجزائر حينها.

      كما كتب عبد الحليم مخالفة عن الشأن الفلسطيني قصائد التفاعل والمحبة،ومنها نصه “يا سيد الشهداء “عن الشهيد الفلسطيني العربي أحمد ياسين،وفيها يكرر الشاعر” لا لم تمت”،في دلالة أسلوبية وتاريخية ودينية لحضور أثر الشهيد الفلسطيني،في ذاكرة الأرض والإنسان،بمعاني الفداء والتضحية،و من المعاني التي نجدها في القصيدة معنى السلام والهرولة والخيانة ورفض التطبيع مع الصهيوني،حتى أننا شعرنا بأن الشاعر الجزائري قد تماهى وامتزج في القضية الفلسطينية وتحول لشاعر فلسطيني يكتب عن أمل العودة وعن الارتباط بالأرض والزيتون،على طريقة محمود درويش و عز الدين المناصرة وغيرهما.

     أما قصيدة “صحوة شهريار” فهي مطولة شعرية،عن رفض كل الحكايات الخرافية والغرامية التي تحكيها شهرزاد،وفيها يحدث المبدع التحوير في الحكايات التراثية الشهرزادية،حيث ينهض شهريار من سكرات قصص الغرام والمجون، وينتبه لضياع الملك والمملكة ، ولوجود التتار ببابه،نقرأ صوت شهريار وعاره:

أصحو على جيش الغزاة

يفاوض الأعيان عند مدخل الواحاتِ..

في شأن اصطياد الوحش في الفلواتِ

أو تحديد عقد حراسة الآبار

وعلى التتار يقهقهون وقد علت

صيحاتهم

عند المساءِ ولستُ أدري كم لهم

مذ عسكروا بالقرب من أسواري؟

وعلى البلاد رهينة

معروضة

للبيع بالتقسيط والإيجارِ”

   إنه نص يحاور الذل والجمود عبر الخارطة العربية،وضاعت الأوطان واستمرت حكايات شهرزاد  في ربط الشعوب والأنظمة ،وتخلف الجميع عن ركب الأمم وقوافل الحضارة والحداثة،وعادت الدول العربية لخطابات العشيرة والقبيلة وصراعات هامشية زيادتها تخلفا وتأخرا وحروبا وفتنا؟!فمن يسمع صرختك يا عبد الحليم؟وقد سرتٓ على طريق احمد مطر ونزار قباني في الصراخ والكشف  لهذا الذل،الهرولة،الخيانة،وفي الشتم والفضح للفكر الانهزامي، الهروبي؟!

     ويمكن للقارئ العربي أن يتمتع بقصائد أخرى فيها الوهج الرومانسي وفيها التوظيف الأسطوري،وسيجد شاعرا متمكنا من الجوانب الفنية للكتابة الشعرية المعاصرة،مع التحكم الايقاعي في الشعر العمودي وفي الشعر الحر،وبراعة التوغل في الرموز والمجازات،وحرص دائم على تنويع الصور والمعاني.

    وللتذكير فقد كتبت الدكتور شادية شقروش تقديمها نقديا للمجموعة الشعرية،وقالت:”جدد الشاعر على مستوى البنية وعلى مستوى الرؤية وجمع في ديوانه بين الأضداد: الحب والحقد،الحياة والموت،الجمال والقبح،الحرية والعبودية،الحنين والغربة،السلم والحرب،والشاعر ينشد في كل ذلك المعني الإنسانية النبيلة”.

أخيرا. …

       نذكر أن الشاعر عبد الحليم مخالفة أستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها،كلية الآداب واللغات،جامعة قالمة الجزائرية،نشر ديوان” سنظل ننتظر الربيع”،2003،وديوان شعري مغاربي مشترك2014، وكتاب نقدي عن تجليات الأسطورة في أشعار نزار قباني2012،و له مخطوط شعري “وشوشات أسوار غجرية”… 

وهو مشارك في لقاءات أدبية وطنيا وعربيا،لعل آخرها حضوره لبرنامج أمواج الشعر بمدينة سكيكدة الذي تشرف عليه جمعية الشاطئ للآداب والفنون.

 

اترك تعليقا