النقد الأدبي: بين القانون النقدي وموهبة الإبداع / هدى عزالدين
بواسطة admin بتاريخ 23 فبراير, 2025 في 10:10 مساء | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 1246.

يُعتبر النقد الأدبي هو البوابة التي من خلالها نتعرف على النصوص من زوايا جديدة، حيث يبرز الناقد قدرته على تحليل الأعمال الأدبية وتفكيك أبعادها. ولكن لا يمكن فصل النقد عن كليهما: القانون النقدي و الموهبة النقدية، فكل منهما يشكل وجهًا من أوجه العملية النقدية.

القانون النقدي هو ما يمد الناقد بالأدوات اللازمة لفهم النصوص، وهو مجموعة من المبادئ والمنهجيات التي يمكن أن تنظم التفكير النقدي وتحدد المسارات التي يجب اتباعها. الأدوات النقدية، مثل التحليل البنيوي أو السيميائي أو التاريخي، هي في جوهرها وسائل للوصول إلى لب النص، ولكنها تبقى مجرد آليات لا تتسم بالروح أو الحيوية. إن استخدام هذه الأدوات يجب أن يكون مدفوعًا بحس نقدي عميق ووعي بفجوات النصوص، بحيث لا تصبح مجرد وسيلة لتمرير أفكار سطحية.

أما الموهبة النقدية، فهي الوجه الآخر للعملية، وهي التي تحول الأدوات الجافة إلى تحليل نابض بالحياة. فالموهبة النقدية ليست فقط القدرة على فهم النص، بل هي القدرة على الغوص في عمق المعنى واكتشاف طبقاتها الخفية. الناقد الموهوب لا يقتصر على إلقاء الأحكام أو إعادة صياغة الفهم التقليدي، بل يُعطي للنص بعدًا جديدًا قد لا يتوقعه القارئ. إنها تلك القدرة على النظر إلى النصوص كما لو كانت مرآة تعكس أنماطًا من الحياة والتجربة الإنسانية التي قد تكون مجهولة.

غير أن النقد الأدبي لا يقتصر فقط على استخدام الأدوات وتطبيق القواعد. إن العديد من النقاد اليوم يتبعون أسلوبًا يبدو أنه يهدف إلى إثبات ثقافتهم ومعرفتهم الواسعة بتاريخ الأدب، من خلال المقارنة بين الأعمال الأدبية وأدباء عالميين. هذا النوع من النقد، رغم ما قد يحمله من إشارات ثقافية عميقة، يظل مسعى سطحيًا في كثير من الأحيان، حيث يسعى الناقد إلى أن يثبت لنفسه وللآخرين أنه “مطلع” أكثر من التركيز على العمل الأدبي نفسه. في هذا النوع من النقد، يصبح النص مجرد حقل للبحث عن أوجه التشابه مع الأدباء المشهورين، بينما يُغفل جوهر النص وتجربته الذاتية. يصبح العمل الأدبي في نظر هؤلاء النقاد أداة لعرض معارفهم، لا لاستكشاف معانيه الأصلية أو تفسيره.

إن النقد الأدبي في شكله الأمثل لا يعتمد على المقارنات الخارجية بقدر ما يعتمد على الفهم العميق لما يقدمه النص ذاته. الناقد المبدع هو الذي يضع الأدوات النقدية في خدمة النص، دون أن يُسقِط عليه نماذج قد تفرغ محتواه من قيمته الحقيقية. النقد الأدبي لا يجب أن يكون مجرد عرض ثقافي، بل يجب أن يكون رحلة في أعماق النص، بحثًا عن التفاعل الجمالي والفكري الذي يمكن أن يكشف عن أبعاد جديدة للقراءة.

وفي النهاية، النقد الأدبي الذي يوازن بين القانون النقدي والموهبة النقدية هو الذي يثري النصوص ويُكسب الأدب عمقًا وجمالًا. الناقد الذي يقرأ النص من خلال زواياه المتعددة ويكتشف فيه أفقًا جديدًا، هو الذي يستطيع أن يقدم للقارئ تجربة فكرية وجمالية لا تُنسى . .

اترك تعليقا