تسونامي، هاروكي موراكامي 01 / ترجمة : سعيـد بوخليـط*
بواسطة مسارب بتاريخ 8 سبتمبر, 2014 في 11:37 مساء | مصنفة في نوافذ | لا تعليقات عدد المشاهدات : 1703.

تقديم :

ولد الروائي الياباني هاروكي موراكامي بطوكيو سنة 1949،درس المسرح وعشق الجاز jazz،فأشرف على ناد لهذه الموسيقى.ممارس محترف لرياضة الجري،وكاتب أصدر أكثر من خمسة عشر مؤلفا،فتوج بجوائز أدبية عديدة(جائزة كافكا،والقدس)ويبقى من المرشحين للفوز بجائزة نوبل للأدب.

تاريخ، نجاح غير مسبوق.فما إن خرجت إلى الأسواق اليابانية سنة 2009، أولى أجزاء ثلاثيته الروائية،حتى نفذت وتجاوزت في غضون شهر واحد سقف مليوني نسخة.هكذا، أخذت المكتبات تخمن بأن رواية هاروكي موراكامي “1Q84″، ستباع بإيقاع تتجاوز سرعته ست مرات،مما حققته منذ فترة سابقة مغامرات الفتى هاري بوتر.

بدا لموراكامي عقب أثر رواياته السابقة،العثور ثانية على موقع ضمن لائحة أفضل المبيعات(إجمالي، لا يقل عن عشر ملايين نسخة طبعت في شكل كتاب الجيب).

إشارة جانبية :رواية جورج أورويل “1984″ ،التي يحيل عليها موراكامي ،أعيد طبعها بنجاح.أما تشيكوف،الكاتب الذي تحدث عنه موراكامي مرارا في “1Q84″وكذا بين صفحات روايته الأخرى “كافكا على الشاطئ”،فيقرأ من جديد داخل قطارات الميترو،المكتظة.

أما، المقطوعة الموسيقية ”سنفونيتا” la sinfonietta،لجانسيك والتي هي على نحو ما ،  الموسيقى الأصلية لرواية موراكامي (سنستمع إليها عبرالمذياع منذ الجملة الأولى) ،  فالتقطت آذاننا منذ البداية نغمات آلة الصنج ،موصولة بين مختلف المطاعم،أوتصدح بها رنات الهواتف المحمولة.

بلا شك،شخصية هاروكي موراكامي الكاريزمية جدا،ثم كونه لا يقابل الصحافيين إلا نادرا، ضاعفا من روافد الموجة المعلن عنها.

لكن،إذا خلقت رواية موراكامي ولعا من هذا القبيل داخل اليابان،فلأن أيضا نص”1Q84″،ينغمس بعمق في عذابات العالم المعاصر،تماما مثل مضامين “1984 ل”جورج أورويل،التي استحضرت أهوال عالم ما بعدي.

هل نحن، بصدد خيال علمي؟الروائي لدى أورويل  يحدس المستقبل، بينما سينفلت بالأحرى عند موراكامي، نحو أرض أخرى وعالم ثان،تلج إليه البطلة مع بداية النص،عن طريق ملجأ يقود إلى سلم سري. منفذ، أدركته دون أن تدري بفضل مساعدة سائق  طاكسي غامض،وهي محاصرة وسط ازدحام خانق.

تعتبر المدعوة”أوممي”(الفتاة المقصودة بهذا الحديث) ،قاتلة محترفة تعشق الرجال الذين يشبه شكل صلعتهم، صلعة “شين كونري”sean connery،تمارس القتل ببرودة دم،بواسطة غرز إبرة رفيعة جدا في عنق ضحاياها، مرتكبي العنف الزوجي.

تقدم على هذا الأمر،لحساب سيدة عجوز جدا ووقورة بشكل كبير،خصصت ثروتها بغية القضاء على صنيع هذا النوع من الرجال، لذلك ينبغي بالضبط على الفتاة أوممي الانتقام من أكثرهم شرا،وهو رئيس طائفة كان يستغل أطفالا،عاش بعضهم في مأوى وفرته لهم المرأة العجوز،فتأكد لها بأن هؤلاء الصغار قد تعرضوا لممارسات إرهابية من طرف شخصيات غريبة الشكل .

من جهة أخرى،الشاب “تنغو” روائي،يكسب رزقه من تدريس علم الرياضيات،سيسلمه ناشر متردد شيئا ما،مسودة ألفتها “فوكايري” ،مراهقة جميلة في سن السابع عشر،غير معروفة تماما،كي يعيد كتابة هذا العمل حتى يتم ترشيحه لجائزة “الكاتب الشاب”.

هكذا،حقق نصه “la chrysalide de l air “نجاحا معتبرا .لكن،ألم تدرك “فوكايري” ،أن ما وصفته من مخلوقات غريبة، توشك أن ترى بعين سيئة هذه الدعاية الجارية حولها، بالتالي  لن  تفوت الانتقام من “تنغو” والناشر؟.

إذن ، هل توجد مع  رواية “1984″؟ أو” 1Q84″؟(تنطق “Q” في اللغة اليابانية ،مثل العدد 9)عوالم أخرى غير عالمنا؟ وماهو السبيل الذي ينبغي على “تنغو” و”أوممي”،عبوره كي يلتقيا ثانية؟.

ذكي بطريقة أسطورية،ورائع على جميع المستويات سيفسح هذا العمل المجال أمام الشك كي يحوم حول حقائق ،تم تقديمها حينئذ بناء على صلة توحيد المكان بالزمان، باعتبارها مكتسبة.يستمد،بأسه خاصة من تماثل كلي بين العالمين اللذين يصفهما،إلا القمرين اللامعين،مثل نقطة استفهام حول حقيقة هذا الاستبدال.  

لا نعثر لدى موراكامي،على كائنات غير أرضية ولا صحون طائرة.بل في الواقع، مخلوقات يكتنفها الغموض،تخلق الرعب لدى من شاهدوها بين صفحات الرواية،   شريرة،يظهر أنها تملك سلطة على الحالات الثلاث الكبرى للكائن :الحياة،الموت،النوم.والتي يسبر أغوارها هذا الروائي العظيم،  دون كلل.

** الحوار:

س- جورج أورويل،  الذين تحيلون عليه،كتب نقدا لاذعا وقاتما للتوتاليتارية، مع   أن مسار عملكم ليس بهذه السوداوية.هل تعتبرون نفسكم،  ”أورويليا”؟

ج-لقد أنجز أورويل روايته “1984″سنة .1949تاريخ،ومن باب الصدف الكبرى، تزامن مع لحظة ولادتي.بالنسبة إليه ،وارتباطا مع تلك الحقبة،يمثل نص 1984 مستقبلا لايزال في طي المجهول.ثم صار فيما بعد رواية تستشرف الأحداث وتستحضر صورة عن العالم خلال فترة مستقبلية.هكذا،استطاع أورويل أن يجعل من حقبتنا المعاصرة، أسطورة.فيما يخصني،وصفت في “1Q84″ سنة 1984كما ألاحظها انطلاقا من قرننا الواحد والعشرين.رواية، تستعيد وقائع تنتمي إلى الماضي. وبإعادة، بناء هذه الحقبة التي تحققت فعلا،فإني أحول بدوري-أو على الأقل أحاول- الحاضر إلى أسطورة.لماذا اخترت الاشتغال بهذه الكيفية؟أولا،لأن الرؤية الاستباقية باكتسابها وضعية جنس أدبي قائم الذات،قد أضحت مبتذلة. أيضا، وبكيفية ملازمة، جنس يبعث فقط صورا متشائمة. فعندما تتوخى وصف مستقبل قريب،لا يمكنك أن تمنعه كي يكتسي منذ البداية مظهر حكاية قاتمة.بينما، حينما يتعلق الأمر بوصف الماضي القريب،فإنك تكون حرا كي تخلق لجميع الحكايات مجال الانسياب بين طياته.لماذا،يلزمني إعادة اكتشاف سنة 1984،انطلاقا من وجهة نظر ذاتية،كشخص ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين؟لأننا،لم نجابه بعد سنة 1984،بعضا من الوقائع المخيفة.بل، لم نستطع حتى تخيل ،أننا نعيش أشياء من هذا القبيل.لكن بالنسبة إلي،هي أحداث من قبيل الهجوم بالغاز على قطار ميترو طوكيو سنة 1995،ثم واقعة 11شتنبر .2001حاليا،يمكننا أن نضيف إلى هذا السجل، الزلزال المهول الذي ضرب طوكيو، وكذا التسونامي المهول وماتسبب فيه من كارثة نووية.

س- تطرح روايتكم “1Q84″ ، قضية الجنس في مناحيه الأكثر فظاعة :كما تطرقتم إلى قتل الأطفال واغتصابهم.ألا تشعرون باليأس، من الكيفية التي يتطور بها العالم؟

ج-عندما، أكتب رواية أتوغل دائما نحو الزوايا المخبأة الأكثر عتمة في وجودي، ثم أتملى واصفا المشاهد التي تعتمل داخلها.حقيقة، لا يتعلق الأمر ببناء حبكة روائية داخل رأسي،ولكن بأن أكتشف فعلا سردا،يشتغل قبل ذلك في باطني ثم ألتقطه وأتحسسه كتابة.أيضا،هل يكون ربما صوابا،القول أني لا أمتلك تقريبا أي شكل للحرية بخصوص ما اخترت أن أحكي عنه،بما أن كل شيء وجد قبل ذلك في قيرورة نفسي.قد تكون كذلك،الأفلام التي شاهدتها والموسيقى التي استمعت إليها ثم الكتب التي قرأتها.الأشخاص الذين التقيتهم،يحظون كذلك بنفس أهمية مقام المشاهد الطبيعية والهواء الذي أستنشقه.دون التكلم عن الذكريات المؤلمة لتجاربي الماضية أو الوقائع الرائعة… .كل هذه المعطيات الشخصية جدا،تنسل بمحض إرادتها صوب النصوص التي كتبتها.لكن،من فرط كونها قد بقيت لمدة طويلة منغمسة وسط العتمة ، فإن هذه العناصر،بالرغم من خاصيتها المضيئة ستغدو قاتمة حد أن تصير أحيانا كابوسية،كما الحال مع تلك المقاطع المشبعة بالاعتداءات الجنسية أو الإفراط في العنف،بحيث يتخذ الجنس مظهرا منحرفا.الأمر الغريب،أني لست متشائما،بل على العكس ما أسعى إلى توضيحه عبر نصوصي،أنه كي نأمل شيئا يلزمنا أن اجتياز كابوس طويل،ولكي نبحث عن الضوء ينبغي أن تحيط بنا ظلمات عميقة،ثم لكي نعيش الطمأنينة يلزمنا اجتياز عنف ينفلت منا.إذا، كان هناك أشخاص يقدرون ما كتبته، فذلك ربما لأنهم يتمثلون داخل عمق قلبي،الاعتقاد الراسخ في إمكانية أن نكشف دائما إشارة ضوء صغير،حتى بين ثنايا الليل الأكثر سوادا.  

س- كيف كانت ردة فعلكم،تجاه الكارثة النووية لفوكوشيما؟

ج-أظن،القضية واضحة جدا : الطاقة النووية ،ضارة بالنوع البشري من نواحي كثيرة،تجرحنا في جسدنا وكرامتنا.هكذا، فالقول بأن الطاقة النووية نعمة، يشبه كما لو أننا نثبت،أن القنبلة النووية قد أدت دورا رائعا في ضمان السلم العالمي : هذا ينهض على منطق غر وساذج.من الضروري،أن ننقل هذا النووي نهائيا إلى أعماق باطن الأرض،وعدم العودة به ثانية إلى السطح.بالتأكيد،الحادث النووي الذي عاشته اليابان،خلخل أركانها. إنه، منعطف تاريخي بكل المقاييس.

س-ما الذي دفعكم إلى كتابة رواية من ثلاثة أجزاء، تقريبا مثل سلسلة متلفزة،حيث الحلقة الأولى ثم الثانية وهكذا؟

ج- أنجزت الجزأين الأول والثاني،وأنا أفكر في الحلقات الأولى والثانية،من خلال “جهاز رقن معدل جدا” على إيقاع موسيقى “باخ”.لقد هيأت كل فصل من الفصول الاثني عشر،بالحجم الصغير والكبير.فترتها، لم أتوقع بعد كتابة الجزء الثالث. لكني، لم أقاوم الرغبة في تخيل التتمة. أما قضية السلسلة المتلفزة فلم تتأتى إلى ذهني بشكل خاص : لقد كنت متحمسا لسلة “lost”(في هذا السياق شكل المنزل الذي أقطنه في “هونولولو”فضاء لتصوير الحلقة الأولى).

س- هل توقعتم النجاح الهائل لكتاباتكم؟

ج-لم أتصور أبدا،أني سأكرس كل وقتي في يوم من الأيام لكتابة الرواية.ما وقع،أني كتبت صدفة في سن التاسعة والعشرين،رواية أثارت انتباه الجمهور حين صدورها.هكذا صرت روائيا،بغير قصد  تقريبا.لقد كنت حينذاك، بعيدا جدا على تخمين أن رواياتي ستترجم إلى لغات متعددة،ثم تحظى  بأكبر المبيعات على امتداد العالم.ما بوسعي الجزم به،أنني أعشق أولا وأخيرا كتابة الرواية،أما النجاح فلا يمثل لي سعيا نهائيا.

س- هل يمكنكم،أن تكشفوا لنا حيثيات الفضاء الذي تشتغلون داخله؟

ج-الموسيقى حاضرة بقوة،حينما أكتب.تحيط بي مايقارب 10 000أسطوانة غنائية، يضم قسمها الأكبر مقطوعات من الجاز، وما تبقى يحتوي الموسيقى الكلاسيكية. أما الأقراص المدمجة،فلا تثير حقا اهتمامي.أستعمل، مكبرات صوتية قديمة جدا منذ خمس وثلاثين سنة،لكنها من نوع ممتاز.أستيقظ صباحا على الساعة الرابعة،ثم أجلس أمام حاسوبي،وأنا أنصت إلى الموسيقى على إيقاع صوت منخفض.على الجدران،تبدو لوحات رسومات زيتية تمثل موسيقيين، أمثال :كليفور براونclifford Brown،و ليستير يونغ Lester Young،وكذا ملصق قديم ل غلين غولدGleen  Gould ، أتناول كثيرا من القهوة السوداء،وتقتصر فترة اشتغالي على الصباح،وربما أحيانا قليلا بعد الظهيرة.أما ليلا،فلا أكتب أبدا.

 هامش :

 -1للاطلاع على النص في لغته الفرنسية،يمكن الرجوع إلى مجلة : “لونوفيل أوبسرفاتور”،العدد 2442،ص 56- .53

 

 

 

* باحث ومترجم من المغرب

اترك تعليقا