حوار نادر مع الكاتب الجزائري مولود معمري أجري منذ أكثر من 30 سنة …فشلي في تعلم لغة بلادي أثبت غبائي عن جدارة – عرض و تقديم / محمد عاطف بريكي*
بواسطة مسارب بتاريخ 23 فبراير, 2012 في 10:08 مساء | مصنفة في أخذ و رد | لا تعليقات عدد المشاهدات : 7205.

 

الكاتب الجزائري مولود معمري

 

       إني أقدم  اليوم هذا الحوار النادر الى القراء من الجيل الجديد و قد مضى على نشره أكثر من 30 سنة وجدته صدفة و انا اقلب صفحات مجلة الهلال المصرية عدد صادر سنة 1967 وكأني وقعت على كنز ،عند قراءتي للحوار ، بدا  لي أن الدا المولود حيا يرزق بيننا لما  استشعرت حداثيته و روحه المنفتحة ، الحوار تضمن عدة إشكاليات لا تزال تطرح نفسها الى حد اليوم ،كمسألة المجايلة و صراع الأجيال في الوسط الأدبي – قضية ألبير كامو- هموم الكتابة الروائية – التأثير-الأصوات النسائية في الأدب الجزائري و نظرته الإستشرافية الصائبة لبعض ألأسماء التي تنبأ  الكاتب ببروزها لأديبات جزائريات إشتهرن لاحقا…. و غيرها من القضايا التي طرحتها محاورته خديجة قاسم و إليكم  التوطئة والحوار كما جاءا في مجلة الهلال المصرية الصادرة قبل 30 سنة و تدخلت في وضع عنوان آخر للحوار مكان العنوان الأصلي الذي كان : “حوار مع الكاتب الجزائري مولود معمري في الأدب،الثورة،الجزائر”.

 

إليكم الحوار:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

             مولود معمري،الكاتب المناضل الجزائري،من اشهر الكتاب الذين كشفوا عن ملامح الشخصية الجزائرية.حضر الى القاهرة،في إجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الكتاب الإفريقي الأسيوي، الذي سينعقد في بيروت في مارس القادم. و مولود معمري يكتب بالفرنسية عن الجزائر. و اشهر رواياته”التل المنسي” la colline oubliée و “نوم العادل” sommeil du juste و في قصة “التل المنسي”،يكشف معمري عن الصراع في قرية جبليةة تقع في منطقة البربر بالجزائر،يعيش فيها جيلان مختلفان. القديم المتمسك المؤمن بالغيبيات و القضاء و القدر،و أفستسلام العاجز.و الجيل الجديد الذي تعلم تعلما أروبيا،و يتمرد على الماضي و الحاضر معا. ثم تنشب الحرب العالمية الثانية ،و تمزق كل المجتمع الجزائري.و يسأل أحد أبطال الرواية زميل:

-          هل أنت في السجن؟ فيجيب:

-          نعم،أنا في الجزائر.فكلا الحالين سواء !

 

و يصور مولود معمري-بروعة- حياة القرى و الريف البربري ، و البحث عن الشخصية الجزائرية ،و إنتزاعها من بين مخلفات القهر الإستعماري ، و الحرب الحضارية التي تشنها فرنسا القوية المراس،المتشبثة بالجزائر.

و بينما تغوص شخصيات الرواية في الحيرة و القلق و المضض،تجد شخصية المدرس”بوذريعة”،الذي يتخرج في دار العلوم،و يجمع بين الأفكار التقدمية،الجريئة،و الفردية المتمرة على التقاليد.

و يتفق النقاد على أن مولود معمري من أبرز الكتاب الجزائريين الذين نقلوا الثورة الجزائرية – في أدبهم- من نطاق السخط و الشكوى و الحيرة الى ميدان العمل و النضال .كما ا،ه كان من أوائل الكتاب الذين ساعدوا في كشف “الشخصية الجزائرية” التي هددتها حرب حضارية دامت 130 عاما.

و مولود معمري قارب الخمسين،و قد إشتهر بقصصه، و لكنه ألف أيضا مسرحيات، و كتب للسينما.

 

سؤال: ماهي المشكلات التي تعترض كتّاب آسيا و إفريقيا في رايك؟ و هل المشكلات متشابهة أو مختلفة؟

جواب:إن المشكلة الحقيقة في ٍاي هي أن الكاتب ليس موظفا في الدولة،لأنه إنسان متحررمن جميع القيود… يتحرك ويصرخ،و يفزع ،و تحركه أحاسيسه و إنفعالاته ، و يعبر عن كل هذا بقلمه… أن الكاتب هو حقيقة الجمهور…لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يعبر عن مأساته بصدق و المشكلة في العالم الثالث لم تعد هي مشكلة الإستقلال،بل المشكلة هي مشكلة الحرية و إتاحة الدولة تلك الحرية الكاملة للكاتب ليكتب ما شاء كما يشاء، و يحطم قيود الرقابة و الضغط ،و ينتج ما يحس به صادقا،نحو المشكلات الإنسانية المحيطة به … لأن الكاتب يريد ممارسة الحياة بشدة و بعمق و يريد التوغل الى أعماق السرار، و أكثرها غموضا.

 

سؤال: هل تؤيد فكرة نزول الكاتب الى المستوى الشعبي حتى يفهمه الجميع؟

جواب: لا… ثم لا..إنني أؤمن تماما بأن الكاتب يجب أن يرفع من مستوى الجمهور المثقف إليه… و لا يهبط هو الى المستوى الثقافي الهابط أو الدنئ أو المبتذل . و أنا دائما ضد هذه الفكرة…و أحب أن أرتفع و أن يرتفع معي القراء… أن نرتفع معا.

 

سؤال: إنك تكتب بالفرنسية،و قد أصبت شهرة كبيرة بفرنسا، و كنت من أوائل كتاب الجزائر الذين فازوا بهذه الشهرة العريضة،فما رايك في الأدب الفرنسي الحديث و في ألبير كامي مثلا و سارتر و سيمون دي بوفوار؟

جواب: ألبير كامي وبد في الجزائر و قضى الجزء الأكبر من شبابه هناك،و كتب عن ثورتنا و أوضح أن بذور القضية هي الإستعمار… و الإستعمار الفضيع.فالإستعمارر ليس نظاما إقتصاديا أو سياسيا مبنيا على اللاأخلاقيات فقط،بل أنه في الحقيقة  يستمد فاعليته من نظرة رجعية متخلفة تحتقر البشرية،لأنه فلسفة تحطم كل ماشيدته الإنسانية بعصورها المختلفة. و مامي كاتب عظيم. فهو يجمع بين الأسلوب الكلاسيكي و الحديث، و هذا ما جعله يستمر في شهرته حتى بعد موته… فقد حاول إضهار الجانب الجميل في الإنسان. فهو لم يقف عند قبح الحياة بل تعدى هذا الجانب الى موقف التمرد على القبح و الإيمان بقدرة الإنسان على تغييره بالتدريج.

و أعظم ما كتبه في رأي هو قصة “الغريب” l’Etranger و مقال آخر نشره في المجلة الأدبية”تيراس” و قد ظهر منها عدد واحد فقط كان هو الأول و الأخير،و نشر كامي في هذا العدد مقالا عن منطقة تيبازا القريبة من مدينة الجزائر عنوانه “العودة الى تيبازا” و أعتقد ا، هذا المقال هو أروع ما كتب كامي في الوصف،فقد عاش في هذه المنطقة الجميلة بأحاسيسه، و انتج أروع لوحة فنية صورت هذا المكان الذي يخلب العين و الروح معا.

و قد قال كامي في مقدمة كتاب L’Envers et L’endroit أن المكان الذي أفضل أن أعيش فيه و أعمل، هو الذي أفضل أن أموت فيه أيضا،و هو حجرة في فندق ! و قال أنه لا يستطيع أن ينساق لما يسمونه الحياة المنزلية الرتيبة . و قد مات كاني في الطريق منذ ست سنوات . مات في أحد طرق فرنسا في حادث سيارة بعيدا عن أي مأوى. و قد كانت هذه الخاتمة نموذجا للشخف و العيث الذي كشف عنه كامي في مؤلفاته الكثيرة.

 

سؤال: و لكن هل تعجب بكل مواقف كامي؟

جواب: إن الأمر أخذ يختلف في نهاية حياته،حين قال كامي جملته المشهورة:”إنني أحب العدالة و أحب أمي،ولكن إذا طلب مني الإختيار بين العدالة و أمي فإنني سأختار أمي.” ! إن إختياره هذا كان صدمة كبيرة للجزائريين لأنه كان يقصد التخلي عن فكرة إستقلال الجزائر الكامل،مفضلا الإنتماء الى فرنسا التي رمز لها بالأم.

 

سؤال: و ماذا تقول عن سارتر؟

جواب: الشخصيات في روايات سارتر و مسرحياته كلها شخصيات”غير مرتاحة” و أحيانا منحرفة و شاذة… فهو شديد الإهتمام بالقبح الإنساني و إبرازه و إعتباره اساسا لماساة الوجود .سارتر يعتبر مرآة صادقة لروح بعض المثقفين.

 

سؤال: و سيمون دي بوفوار؟ !

جواب: كاتبة عظيمة ،ساعدت الكثيرين على الفهم.لم تستطع أية كاتبة أخرى أن تكتب بصراحتها و صدقها عن أحاسيس المرأة من خلال تجاربها الشخصية ،فهي أعظم كاتبة في جيلنا ،تمتاز بالذكاء و الثقافة و الجرأة. غاصت في أعماقها من الداخل و كشفت عنها، و بحثت عن أدق مشكلات المرأة و طرحتها ببساطة شديدة ،بساطة ليس فيها أي تكلف أو تعقيد… سواء كان التعقيد شكليا أو جوهريا، فقد طرحت كل شيء على طبيعتها. و لذلك فسيمون دي بوفوار طبيعية في كل شيء… في الأسلوب و الفكرة و الإحساس.

 

سؤال: ما رايك في الذين ظهروا بعد سيمون دي بوفوار؟

جواب: ظهرت الآن في باريس موضة جديدة غريبة، فلا تكاد الفتاة تحصل على شهادة الباكالوريا، و تلتحق بالجامعة حتى تؤلف قصة، و تنشرها، و تظهر فيها مأساة المرأة، و مدى ما تعانيه من تعذيب الرجل لها ، و تصب عليه لعناتها و لعنات خمسة أجيال قادمة من الفتيات المعذبات. و قد أصبحت هذه آخر صيحة باريسية تنتشر خاصة بين طالبات الجامعة في باريس… و أنا أنصح هؤلاء بالقراءة و بالثقافة و على الأخص قراءة سيمون دي بوفوار حتى يخجلن من أنفسهن،إنني أعتقد ان الفتاة الشرقية فريسة الفراغ، و الفرنسية فريسة التقليد و الإنصياع وراء الموضة.

 

سؤال: و ما رايك في كتابتك باللغة الفرنسية؟

جواب: لقد حاولت كثيرا أن أتعلم اللغة العربية و لكني فشلت، و فشلي في تعلم لغة بلادي أثبت غبائي عن جدارة ، و هذه مأساتيالتي تكمن في داخلي و تسبب لي كثيرا من الآلام و لكن الأجيال المقبلة من الكتاب الجزائريين ستعوض كل ما حرمنا منه. و أحب أن أقول أنه ليس هناك ما يعيب الكتابة باللغة الفرنسية ما دام التعبير في رواياتنا عن ألام و آمال الجزائريين، فالقارئ لأي كاتب جزائري يكتب بالفرنسية لا بد أنه يشعر للوهلة الآولى أنه يقرأ لكاتب عربي لآن روح الكاتب هي التي تقوده و تنير له الطريق حينما يضع الخيوط الرئيسية الآولى لما يكتب … سواء كان ذلك رواية أو مسرحية أو قصيدة من الشعر أو قطعة من النثر. و أنا أعرف الكثير منم الكتاب العرب الذين يكتبون باللغات الأجنبية، و حينما تقرأ لهم تحس دائما أنه لن يستطيع التعبير عن هذه الأحاسيس و المواقف سوى كاتب عربي…

 

سؤال: ألم تحاول الكتابة بالعربيـــــة؟

جواب: الكتابة بالعربية تتطلب التفقه فيها.

 

سؤال: يقول البعض أن الأدب الجزائري حكم عليه بالإعدام و الموت لعدم كتابته بالعربية… فما رايك في هذا الرأي؟

 

جواب : أنا ضد هذا… هناك يقضة و وعي، والأدب الجزائري إستطاع أن يثبت وجوده بحقيقته و هو يواصل تقدمه و تفوقه.لأن الكاتب الجزائري يعتبر الكتابة بالفرنسية وسيلة تعبير فقط… أما إنفعالاته الحقيقية فهي عربية لحما و دما…

 

سؤال: ما رأيك في الكتاب الجزائريين المعاصرين؟

جواب : لا أستطيع إبداء آراء صريحة في إخواني و زملائي الكتاب المناضلين الجزائريين المعاصريين،لأنهم جميعا أصدقائي… و سوف أحتفظ برأي نفسي.


سؤال: و الكاتبات؟

جواب: هناك فتاة إسمها” نادية قندوز” و هي كاتبة مبتدئة لا أستطع إبداء رأي فيها بصراحة لأنها كما قلت مبتدئة . و هناك الكاتبة “فضيلة مرابط” اصدرت كتيبا صغيرا عن تاريخ المرأة الجزائرية و تطورها و مشكلات الساعة، طالبت بثورة نسائة عنيفة لتحطيم العادات و التقاليد البالية، و طالبت المرأة بالتطور سواء في البيت أو في الشارع. إنها فتاة عنيفة و جريئة ، وسوف تصبح هذه الكاتبة الشابة شيئا إذا ما إستمرت في الكتابة.

و هناك حركة من شباب الجيل الجديد بدأوا بالكتابة باللغة العربية. وهؤلاء هم مستقبل الجزائر، و هم الذين سيعملون على إذابة الفرنسية و إحلال اللغة العربية اللغة الم محلها.

 

سؤال: ما هي مشكلات الكاتب الجزائري الذي يكتب بالفرنسية؟

جواب: أهم مشكلة هي مشكلة القراء… ينقصنا القراء، فنسبة الأمية مرتفعة لدينا . و لذلك فأغلب قرائنا في الخارج . و الجيل الجديد بدأ يتعلم العربية و يطالب بأن تتوافر له جميع أنواع الثقافات بالعربية. و هذا يصعب تنفيذه الآن لآن لدينا في الجزائر مشروعات أخرى قد تكون أكثر أهمية، و إحاحا و هكذا فالعلاقة بين الكاتب و القارئ أصبحت مشكلة، لأن القليل جدا هم الذين يقرأون الفرنسية . و كذلك المشكلة المادية قائمة و متى حلت فسوف تحل كل شيء. و سوف يصدر إتحاد الكتاب الجزائريين قريبا مجلة أدبية بدل مجلة”نوفمبر” التي ظهر منها أربعة أعداد تقريبا و توقفت لأسباب مادية.

 

سؤال: ما رايك في الأدب العربي الحديث و في الدكتور طه حسين بالذات؟ !

جواب: لقد قابلت الدكتور طه حسين أمس وجدته أعظم مما تصورته، و قدراته اللغوية لا توصف. و هو عميق في مظهره ، عميق في حديثه، في صورته، في مرمحه، في ذكائه، في سكوته و هدوءه…

 

سؤال: كان من المفروض أن أبدأ به الحديث، كيف بدأت حياتك ككاتب؟

جواب: لقد ظهرت أول رواياتي “التل المنسي” في عان 1952،و حينما أنتهيت من القصة أرسلت نسخة منها الى دور النشر بباريس دون سابق معرفة،و انتظرت الرد، و مللت الإنتظار،و أخذ يتسلل الى قلبي الشعوربعدم الرضا عن نفسي، و فجأة وصلتني برقية بالموافقة من دار النشر بعد ستةةاشهر ، و كم كانت سعادتي كبيرة، ولم تخل هذه السعادة بالإحساس بالعذاب و الآلام من أجل بلادي، ولكن شعوري و إحساسي بأن هذه الرواية سوف تصل الى أيدي آلاف و آلاف من القراء و تكشف لهم حقيقة هذه الثورة الجزائرية و حقيقة هذا الشعب الذي اسهم كل فرد فيه بمختلف الأساليب و مختلف السلحة من أجل تحرير أرضنا الطيبة ، هذا الإحساس كان يدفعني الى الأمام ، الى ضرورة إنتاج أعظم.

لقد بنيت هذه الرواية على التقاليد الإجتماعية التي كانت تسود قرية”تاسكا” و هي قرية تقع في منطقة جبال البربر و أبرزت الصدام العنيف بين الجيلين القديم و الجديد، ثم الحرب العالمية الثانية و إنعكاساتها على شمال إفريقيا، و قد إستفدت من إشتراكي في الحرب العالمية الثانية فائدة كبيرة. و لو لا تلك الهزة التي أصابت القرى و المدن الجزائرية و تجنيد شبابها و إلقائهم في ميادين غريبة تماما عنهم، و دفعهم الى الدفاع عن أرض غير أرضهم و إجبارهم على التضحية لما تفجر كل ما رآه العالم من الجزائريين …

 

سؤال:  هل أحسست بالفشل الأدبي في حياتك العمرة بالشهرة؟

جواب: أسوأ ذكرياتي هو ما حدث لي عام 1956 فقد إحترقت أول مسرحية كتبتها، و حاولت بعدها أن أعيد الكرة لآكتبها من جديد و لكني فشلت، لأن لحظات انفعال بحادث معين تزول بزوال المؤثر و لا يستطيع الكاتب أن يكتب شيئا إلا إذا عاش داخل التجربة مرة أخرى …فالكاتب يحس بشعور عميق من عدم المبالاة و يضجر إذا ما وجد نفسه مضطرا الى قراءة ما يكتب مرة أخرى فما بالك بإعادة الكتابة.

 

سؤال: و ما هو رأيك في أسلوبك؟

جواب: أنا كاتب بسيط حب البساطة في الشكل الفني في الكتابة، و أفضل البعد عن الزخرفة التي يلجأ إليها البعض حيث تلمع كل كلمة ببريق مستقل لا علاقة له بالموضوع.

 

سؤال: ألم تفكر في كتابة مذكراتك؟

جواب : لست الإسكندر الأكبر حتى أكتب مذكراتي. أنا مناضل جزائري بسيط،أحمل السلاح و القلم في وجه العدو… في أي مكان، و اي زمان !!

* محمد عاطف بريكي

mohamedatefb@yahoo.fr

اترك تعليقا