الرسّام أيـــــــــــــــــوب: ورقة بيضاء وقلم من “رَصاص ” / محمد بوزرواطة
بواسطة admin بتاريخ 12 يوليو, 2024 في 11:21 صباح | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 88.

لم يحظ أيُّ “كاريكاريست” جزائري بالانتباه والحُظوة والإجماع مثلمَا حدث للرسَّام الجزائري ” أيوب”فصِدْقِيَّة هذا الرسام البارع تَتأتَّى من عُمق النظرة والإمعان المتواصل في هموم الواقع الجزائري وتحوُّلاته السياسية والاجتماعية،استطاع “أيوب”بقلمه الصغير ، أن يرصُدَ كافة الوضعيات الحَرِجة والمسكوت عنها، في مُجتمعنا الجزائري، فعَبْرَ خُطوطٍ بسيطة وتعاريح َ مُلتوية عَبَّرَ بعمق عن التشوُّهات التي رَاكَمَهَا السياسيون في هذا البلد وما نَجَمَ عنها من مآزقَ خطيرة أدَّت بالبلد إلى كوارث حقيقية وحروب أهلية خاسرة لم تجْنِ منها الجزائرغير الويلات المستمِرة والحصاد المُر .

-02-

لم يكتف “أيوب” بتخطيطاته تلك في الصفحة الأخيرة من جريدة الخبر مند بداياتها الأولَي عام 1990،بل اتَّخذَ موقفا شُجاعاً لا يعرف الَّلين أو التراجُع عمَّا كان يعتقد أنّه في صالح التقدم، ونهوض الجزائر وسيْرِها قُدُماً نحو الأمام، كان مُناصِرًا دوماً للشعب في محنته الدامية و صموده أمام وحشية الإرهاب الإسلامي الأعمى في حقبة التسعينيات من القرن المنصرم،لم يكُن مُنكفئاً على ذاته ،يَجْترُّ أحزانَه في صمت، بل اتَّخذَ منذ البَدْءِ موقفًا صَلْداً تُجَاهَ ما يحدُث لبلده ، أعْلَنَ موقفه بوضوح لا لُبْسَ فيه ،بوصلتُه الهَادية،قلم من “رصاص”، وورقة بيضاء،عَدَا ذلك لم يَكُن يمتلك “أيوب” غير ذلك القلب المتوهج بِحُبِ البلد، والتمسُّك بالتُربة الجزائرية ومساندة البسطاء من الناس.

-03-

في أزمنة الدَّم، رَفَعَ سلاحه –قلمه-عالياً، مُدِيناً الوجُوه،الكالحة التي تسبَّبت في خراب الوطن وقادتهُ إلى المذبحة، ولذلك رسم “هؤلاء” “القتلة”بهيئة وُحوش أدَميَّةٍ، استوطنها الذعر وسكنت في أحداقهم، نعراتُ الحقد والثأر، أما عن أرجلِهم، فقد انتفَى عنها الطابع البشري وأضحت كحوافر الثيران الهائجة مُتعطشةً إلى مزيد من الدم،لم يتوانَ “أيوب” في قول الحقيقة والجَهْرِ بها في ظرفٍ صعب فَضَّلَ فيه البعض الاختفاء واللجُوءَ إلى الضفاف الأخرى ، بل انغرسَ في الصفوف الأولى للشعب ، متأبِطاً عذاباته وآلامه الدفينة، ولهذا يُعدُّ ” أيوب” “الكاريكاريست “الوحيد و الشاهد الحي على حجم الفظائع التي أُرتُكِبَت في حَقِّ هذا البلد , كان الضمير الحقيقي لنَقْلِ الحقيقة في مُربعِه الصغير في الصفحة الرابعة والعشرين من يومية الخبر،وكان الآلاف من القُرَّاء -حينها- يَتلهَفُون إلى اقتناء الجريدة ومُشاهدة رسوماته بنهمٍ وفضولٍ كبيرين،على غير المُعتاد،فحُبُهم لهذا الفنان فاق كل التوقُّعات، فقد اجتمعَ في سقيفتِه كل المتعلمين والأميين،على حَدٍّ سواء كان بسيطاً كالحقيقة ، صافياً كالنهر الرقراق ،ولذلك أحَبّه الجميع، فصارَ وقتاً للجميع على حَدِّ وَصْفِ الشاعر الراحل الكبير “محمود درويش”(1941-2008)، لصديقه الرسَّام المُغتال “ناجي العلي”(1936-1987).

-04-

لم ينكسِر قلم “أيوب” ولم يَنْحَنِ أمام إغراءات السُلطة ولا أغْوَتْهُ أموالُ الخليح، وقد خاض تجربة قصيرة هناك، لكنّه سُرعان ما عَادَ منها خائِباً يُجرُ أَشْرِعتَه من جديد ،ليَرْسُو على صُحف جزائرية أخرى،هل هو الحنين الجارف، إلى التربة الجزائرية المُضْمَخة بالنُكتة الجزائرية اللاذعة؟أم أنَّ طبيعة المجتمع الجزائري بكل ما ينطوي عليه من تناقضات ومفارفات هي مَنْ استفزته في العودة من جديد؟!.

أيّاً مَا كان السَبب في أوْبَة”أيوب ودواعيها”، فإنَّني ظَلَلْتُ على اعتقاد راسِخٍ ، بأنّ “أيوب” ، لم يَبْرَح مكانه من تلك الزاوية المُضيئة التي تآلَفْنَا معها لسنواتٍ طويلة، فهواجس القلق والتعرية والكشف والنقد المُستمر ، صفات ظلَّت تُرافق مسيرة هذا الفنان الجزائري الكبير حيثما حلَّ أو ارتحل.

اترك تعليقا