العقل الأخلاقي العربي لمحمد عابد الجابري- مساءلة نقدية / عبد المجيد بوقربة
بواسطة admin بتاريخ 12 يوليو, 2024 في 12:51 مساء | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 81.

العقل الأخلاقي العربي” هو الجزء الرابع و الأخير في سلسلة نقد العربي الذي دشنه المفكر الكبير محمد عابد الجابري في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، الذي أراده الجابري اصلا كنقد إبستمولوجي لإشكالية النهضة العربية الحديثة يستهدف نقل السجال حولها في الساحة الفكرية العربية من مستوى الطرح الإيديولوجي العقيم الذي شكل ومازال حوارا طرشان بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين العرب سواء كانوا مثقفين أو سياسيين، إلى مستوى آخر من الطرح المعرفي المتميز بالموضوعية والحوار الهادئ العقلاني، فم الجديد الذي قدمه هذا الكتاب إلى المكتبة العربية في مجال دراسة الأخلاق، ثم ماترتيبه في إطار المشروع ككل؟

الكتاب كما يراه الجابري هو دراسة نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية الإسلامية مما يجعله في نظره أقرب روحا ومنهجا إلى الطابع العام للمشروع، ولكن هل يكفي ذلك لجعل كتاب «العقل الأخلاقي » جزء أساسيا من مشروع نقد العقل العربي؟ لقد سبق أن أكدت في سياق منشوري الخاص بقراءة الجزء الثالث من هذه السلسلة الذي يحمل عنوان «العقل السياسي العربي» أن مشروع نقد العقل قد اكتمل بصورة فعلية مع الجزء الثاني «بنية العقل العربي»، وأن هذين الكتابين «العقل السياسي» و «العقل الأخلاقي» مجرد كتابين مقحمين على المشروع، وهذا بناءا على اعتبار مهم في نظري:-

يتعلق هذا الاعتبار بتخلي الجابري عن القسمة الإبستمولوجية الثلاثية الأولى الناظمة لهوية العقل العربي: بيان، عرفان، برهان. واستبدالها بقسمة أخرى على صعيد العقل السياسي هي: العقيدة، القبيلة، الغنيمة. أو بقسمة خماسية على صعيد العقل الأخلاقي هي الموروث الثقافي الذي نبتت في تربته النظم القيمية المؤطرة للأخلاق في التراث العربي الإسلامي وهذه الموروثات الثقافية حسب الجابري خمسة هي:

- الموروث العربي الخالص: الذي يمثل عادات وتقاليد وأعراف العرب خلال مرحلة الجاهلية السابقة لظهور الإسلام

- الموروث الإسلامي الخالص: الذي ظهر وتشكل مع ولادة مرجعية ثقافية جديدة عمادها القرآن والسنة

- الموروث الفارسي: الذي يمثل ثقافة أجنبية وفدت على العرب بعد الفتح لبلاد فارس.

- الموروث اليوناني: مثله مثل الموروث الفارسي.

- الموروث الصوفي: وهو ذو أصل أجنبي ايضا، دخل ساحة الثقافة العربية بعد تبني الشيعة له ضد الخلافة العباسية السنية.

ولكل واحد من هذه الموروثات كما يقول الجابري نظاما قيميا خاصا به يتمحور حول قيمة مركزية كبرى : الموروث العربي الخالص يتمحور حول المروءة، الموروث الإسلامي الخالص حول التقوى والعمل الصالح، الموروث الفارسي حول الطاعة، الموروث اليوناني حول السعادة، الموروث الصوفي حول فناء الأخلاق. أما إذا أهملنا مسألة الترتيب هذه، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: بأي مقياس تعد هذه القيم: المروءة، التقوى العمل الصالح، الطاعة، السعادة، قيما مركزية؟ ألا يبدو هذا الاختيار مجرد تأويل لدوافع معينة في التعاطي مع هذه الموروثات؟ فمثلا «الطاعة » ألا تعتبر قيمة مركزية في جميع الثقافات والمراجع الأخلاقية لا يكاد تخلو منها حضارة أو دولة أو حتى جماعة؟ ثم لماذا اعتبر الجابري أن الفتنة الكبرى التي عصفت بأمن واستقرار مجتمع الخلافة الراشدة في السنوات الست الأخيرة من حكم عثمان بن عفان-رضي الله عنه- هي السبب الذي فجر أزمة القيم في المجتمع العربي الإسلامي، ففتح الباب على مصرعيه للكلام حول القيم والأخلاق في الثقافة العربية الإسلامية؟ أليس هذا التصور هو محض إدعاء يضع نظام القيم الإسلامي محل اتهام، باعتبار أن هذا النظام لم يستطع أن يحمي مجتمع الخلافة الراشدة من هذه الأزمة، الشيء الذي دفع العباسيين منذ بداية عهدهم للحكم مثلما يقول الجابري إلى إستيراد نظام اجنبي للقيم هو النظام الأخلاقي الفارسي القائم على الطاعة من أجل التحكم في المجتمع وإعادة ترتيب البيت الداخلي للخلافة؟

أخيرا تمة ملاحظة أريد أن اختم بها هذا العرض هي لماذا تبدو جميع الموروثات ونظم القيم في الثقافة العربية الإسلامية لدى الجابري تعاني من الازمات والنكسات باستثناء الموروث اليوناني، فهو وحده في نظره الذي يمنح الإنسان السعادة ويطهر روحه من الآفات والأمراض الخلقية وعليه يرى الجابري أن استعادة هذا النظام يمثل حلا وملاذا أخيرا لمعالجة الأمراض المستعصية في هذه المجتمعات على صعيد القيم و الأخلاق؟

 

 

 

 

اترك تعليقا