العـــــــــنّابية التي هـــــــــــزّت أركــــــــان الأزهــــــــر / محمد بوزرواطة
بواسطة admin بتاريخ 9 يونيو, 2023 في 04:48 مساء | مصنفة في جدل ثقافي | لا تعليقات عدد المشاهدات : 431.

في بداية شهر ماي عام 2000 شنَّ “الأزهر” حملة شعواء ، ضد رواية “وليمة لأعشاب البحر نشيد الموت”، للكاتب السوري الراحل “حيدر حيدر”(1936-2023)، بعد أن أقدمت” الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية” بإعادة نشرها من جديد، ضمن جُملةٍ من الكتب الأخرى الدَّاعية إلى العقلانية والتنويرـ ،الأمر الذي ألْهَب مشاعرالبعض مِمَّن لم يقرؤوا الرواية ولم يتصفَّحوا سطراً واحداً منها؟ وقاموا –تبَعًا لذلك- بتظاهرات حاشدة لمنع الرواية من التَّداوُل ، واتهام صاحبها بالردَّة والزندقة والحضِّ على قتله وإعدامه؟ وهي تُهَمٌ جاهزة عادةَ ما يُصْدِرُهاَ ، “”خفافيش الظلام”، دون أن يتمهّلوا في قراءة الرواية بشكل هادئ و بعين هادئة، بعيداً عن التعصّب الأعمى، وإصدَار الأحكام القاطعة،…في تلك الفترة بالذات وفي جريدة الخبرالأسبوعي في العدد 72 لشهر جويلية عام 2000 ،كتب الراحل عبد العزيز بوباكير (1957-2022) في عموده الأسبوعي “تداعيات” وبعنوان مُثير لافِت و بالمانشيت العريض” العنَّابية التي هزّت أركان الأزهر” “وبأسلوبه المُشوِّق ولغته الجميلةـ كشفَ “الأطراف” التي هيّجت الجموع الحاشدة، ، وجرَّتِ الآلاف من “الطَّلبة” إلى الساحة تنديدًا بهذه الرواية والحثّ لمحاكمة وإهدار دمِ مؤلفها؟، ،والوقع أنّ “حزب العمل الإسلامي” وصحيفة الشعب كانتا وراء إلْهَاب مشاعر المتظاهرين وإثارة الفوضى والشغب في الساحات والشوارع العمومية.

في المقال ..أثار “بوباكير” رحمه الله، مسألة غاية في الأهمية تتعلَّق، بفحوى الرواية ومضمونها، الذي يعني الجزائريين على نحو خاص،وإذا كان “حيدر حيدر” يضع مِشرطه بقوة على الجرح، بلغة هادرة لا تعرف المُلاينة والالتواءـ..من خلال إشارته إلى الإنهيارو الإفلاس التّام الذي مُنيَت به الثورتان الجزائرية والعراقية بعد نيل الاستقلال ورفع أعلام الحرية، ، وكيف كانت الحصيلة باهظة الثمن،،بحيث أنها لم تكن في مستوى التطلُّعات والطّموحات التي ضحَّى من أجلها الشهداء كما في الحالة الجزائرية؟

رواية صادمة، جريئة مُمتِعة أيضا، وهي على نحْو ٍمن الأنحاء “ملحمة” كما وصفها الناقد المصري الراحل “محمود أمين العالم”

والمُفارقة أن الجزائريين لم يقرؤوا هذه الرواية،ولم يتفاعلوا معها كما يلزَم؟ والقليل من “المثقفين” مِمّن أُتيحَت لهم الفرصة للإطَّلاع عليها، وقرؤوها بشغف وحُبٍ ،لم يُصّرحوا-حينها- بأيِّ رأي سلبي حولها، لكنّ الراحل”الطاهروطّار” كعادته الصِّدامية و شجاعته المعهودة قال: “لقد قرأت “الرواية” ولم أُتْمِمْهَا، لكنّها جرحَت مشاعري كمناضل سياسي خاض غِمار الثورة الجزائرية ، لكنني-بالمُقابل- لا أُدِينُها ولا أُدينُ من يُدِينها فكما أنَّ حرية الإبداع مكفولةً للكاتب فهي أيضا مُتاحة للقُرَّاء بالِمقدار ذاتِه ولهم كامل الحرية في إبداء آرائهم كما يشاؤون، شرِيطةَ ألَّا يتحوّل “الرأي” إلى عنف وكراهية و وتكفير”"

غير أنّ “مربط الفرس” في كل هذه الحكاية التي جرحَت مشاعر” وطَّار”، وتحفَّظَ الكثيرُ من المثقفين الجزائريين حوْلها أو على نحْوٍ أدق لم يَصْدُر منهم أيّ سلوك أوردَّ فعلٍ جارحٍ إزاءَها؟

يُشير “بوباكير” إلى البطلة “فُلَّة بوعنَّاب” المرأة الجزائرية المجاهدة، وعشيقة “مهيار الباهلي “المناضل العراقي المطرود،كلاهما يجترُّ في ذاكرته، خيبة النضال، وينظر إلى “الحاضر”بعينين مِلؤهما الحسرة والفجيعة، لِما يحدُث أمامهما؟، كان ينظُران إلى “مستقبل” مشرق في بلديْهما، تسودُه العدالة، وتُظَلِّله الحرية والكرامة؟ لكن شيئا من ذلك لم يقَع؟ كما الغيُوم الخُلَّب التي لا يُرتَجى منها أي مطر قادم؟

فلة بوعنَّاب –المجاهدة السابقة- تتحوّل إلى عاهرة، بعد الاستقلال، ويصبح فندقها، مطلبًا لكل طالبِ متاعٍ ولذّة، من السماسرة والتُّجار الجُدد، والشخصيات الوطنية المرموقة ، كُلهم يلتقون في فندقها الخاص بالإيجار، وهي إشارة واضحة إلى التفكك العام والسقوط المُدوّي الذي طال المبادئ النقيّة ومسَّ القيّم النبيلة التي ناضل وضحَّى الشهداء من أجلها؟

وإذا كان المثل يقول” الألم في الرأس والمَعِدة تتألَّم”..فكان حرِيٌّ بالجزائريين أن ينتفضوا أو أن يفعلوا شيئاً-إن هم قرؤوا فِعلاً الرواية ، باعتبارهم، طرفاُ مِحوريا فيها،وليس “المصريين” كما حدث؟ ولكن الأشياء عادةً ما تحدُث بالمقلوب؟ يقول” بوباكير” مُخْتتِما مقاله الرائع ” العنّابية هزّت أركان الأزهر الشريف لأسباب “دينية”، وهزّت مشاعر الجزائريين لأسبابِ شرف؟ وفي كلا الموقفين، لم يقرأ شيوخ الأزهر الرواية، وحرّضوا الطَلبة لحرقها، ولم يقرأ الجزائريون الرواية وشعرُوا أن كرامتهم دِيَست، وفي كِلا الموقفين حَكمُوا على الرواية بالسّماع فقط؟”

اترك تعليقا