تنوع الموضوعات والعناصر السردية في مجموعة ” الوجه والأثر” ..عبد النبي بزاز
بواسطة admin بتاريخ 31 مايو, 2022 في 02:39 مساء | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 252.

من أبرز سمات مجموعة «الوجه والأثر» للقاص المغربي المصطفى سكم تنوع الموضوعات، وعناصر السرد بين ماهو تاريخي، وديني، وفكري بأسلوب تؤثثه عناصر من قبل المجاز، والانزياح التعبيري، والنَّفس الشعري، والجانب الغرائبي .
ــ التاريخ : حيث تمت الإشارة إلى أحداث بارزة كسقوط جدار برلين كحدث تاريخي بحمولات فكرية معرفية، ووجودية أنطولوجية أرّخت لمسار جديد يرهص بمؤشرات تنشد تأسيس أواليات الوحدة وما تفرزه من تواصل و تلاحم واندماج يقطع مع عهود التفرقة والتشرذم وما نجم عنه من اختلال ميزان القوى بين ألمانيا شرقية أقل تطورا وإنتاجا، وغربية قطعت أشواطا متقدمة في العديد من المجالات الحيوية (علمية واقتصادية وثقافية …)، في نص « فوات »: “آسفة لم أعد أعتقد بعد انهيار جدار برلين بالثورة” ص 15، فيظل مفهوم الثورة منفتحا على شتى التأويلات والاحتمالات. وما تمثله الحركات الإسلامية، المتطرفة منها بالخصوص، من انزياح وزوغان عن الأسس الدينية العقدية المشبعة بروح التعايش والتسامح في ذكر لحركة «داعش» في قصة «خصاء» بتوجهاتها العدوانية الماتحة من فكر أحادي ضيق يفتقر لأ ي وازع إنساني يؤثر التعدد والاختلاف المرتبط بالحرية العقدية والفكرية: “تفك عقدة داعش فينا” ص 23، وهي عبارة تنضح تكثيفا واختزالا. واستحضار القومية العربية في بعدها الثوري مجسدا في الكفاح الفلسطيني، وما يعج به من أنماط التضحية والنضال والصمود في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم في قصة «عيد الحداد»: “ومن بين الأنقاض لوحت بكوفيتها وأطلقت زغرودة العيد. “ص 30، من أنقاض الخراب والدمار تنبعث (زغرودة العيد) كشكل من أشكال احتفال يستمد امتداده واستمراريته من رصيد نضالي دائم التجدد والانبعاث بأدوات تمتلك رمزيتها التاريخية والوجودية الراسخة في عدة مظاهر منها (الكوفية).
ــ الديـن: ويتضمن استلهاما من النص القرآني كما في نص « صاد، ياء، دال» وفيه تشبيه للبيت ببيت العنكبوت في إحالة على سورة «العنكبوت»: “كان بيته أهون من بيت العنكبوت” ص 10، وما تحفل به من معاني وأبعاد رمزية تصويرية. وفي سياق الدين الإسلامي أيضا وما يرتبط به من نظام شعائري كالتكبير: “اعتلى المئذنة تكبير الله…” ص 51، وقصة النبي يونس، بشكل لا يخلو من تحوير، في قصة «حوت»: “اشتعل نارا في ظلمة يونس وانتهت حكاية حوت المدينة قبل مطلع الفجر” ص 86، أو الطقوس المسيحية: “أقاموا قداس الاعتراف” ص 59، ليحدد قبل ذلك منطلقات ومدخلات وجودية عقدية في «دهشة الهلال»: “يتأمل قصة الخلق ومآل النبوة وتعاليم الكتب المقدسة…” ص 30.
ــ الفكر: بارتباطه بالفلسفة في منابعها الأولى لدى الإغريق: “لن تستحم في ماء نهر مرتين…” ص 35، وما تقوم عليه، في ماهيتها وجوهرها، من اجتراح لأسئلة بصيغ وجودية وميتافيزيقية: “والفيلسوف يفترش شط السؤال. يتأمل… متى يتغير العالم ؟” ص 98 بأسلوب سردي يعج مجازية وإيحاءا (يفترش شط السؤال). هذا التنويع نلمسه أيضا في النهج القصصي الذي رسمه الكاتب باعتماده أسلوبا بلاغيا أغني متن الأضمومة، وضاعف من منسوب زخمها الإبداعي، مثل ما ورد في قصة «هوى»: “أحبها كحلم يعبر الآفاق… كل وروده الحمراء كانت مختومة بتأملاته الشاردة. “ص 19 لترتفع وتيرة تعابيره ، أي المجاز، في خلق صور تشذ عن المألوف: “هي كنسيج معطف الشتاء الطويل بألوان الشفق، تقيس زمن الحياكة بإيقاع النبض…” ص 46، وما توسل به من أدوات بلاغية مثل التشبيه، لتغدو تعابير تمعن في انزياحات تصبح معها النصوص أكثر انفتاحا عبر خط انسيابي يخوض في امتدادات واستشرافات همها إدمان عشق البحث والاكتشاف مما يفرز أشكالا تعبيرية مغايرة كما في قصة «غريب المقهى الليلي»: “خبأ رأسه في الحذاء… صلبته المومس بين نجوم السماء” ص 13، أو « فن »: “هي رعشة عشق أفقدت التاريخ توازنه” ص 85 بغناها المجازي، وبعدها التعبيري الذي ينشد أفق كتابة مغايرة.

ــ الشعر: يجاور المجاز، ويخترقه في رسم نصوص على شكل لوحات يتداخل فيها السردي والشعري وينصهران داخل بوتقة نمط من الكتابة (قصة قصيرة جدا) تنشد التجديد، وتتغيا التطوير في «ماء النسيان» حيث نطالع: “يتوهج الكون في كفك سنابل” ص 44، أو في قصة «مهر» حين نقرأ: “أشتهي القمر ماء في منتصف النهار، ونور الفجر خيط حرير في ثغر السحاب …” ص 71 في توظيف عناصر: سنابل، قمر، ماء، سحاب وتدبيجها بصفات تخلع عليها طابعا شعريا ممعنا في الشفافية والعمق والبهاء في إضاءة لتموقعاتها الجمالية، وتبدلاتها البيانية (يتوهج، نور الفجر).
ــ غرائبي: وهو عنصر تزخر به ثنايا النصوص في عبارات مثل: “الحصاة المتسكعة ُتسقِط نجمة سماء تنتعل كعبا عاليا” ص 24 ، أو في: “بعد أن طوت كل ملامحها في حقيبة مثقوبة” ص 29، وهي أفعال تنأى عن سياق استعمالاتها المعهودة (إسقاط الحصاة لنجمة)، و(طي الملامح في حقيبة)، كما لا يخلو معجم الأضمومة مما هو حداثي ك (الدازاين، وهولدينغ، وبسيكو تقنية، وإلكترونيا…)، وأعلام ذات مرجعيات متعددة ك (فرعون، وأوديب، وأبو الهول، وغاليليو، وسيزيف، وشهريار، وزرقاء اليمامة، وإسماعيل، وزكريا، ويحيى، ويونس، وهيغل، والعقاد، وجبران، ومحمد القاسمي، ومحمد شبعة …)، وأماكن موزعة بين المحلي (أوريكا)، والعربي (بيروت)، والغربي (إشبيلية، وغوانتنامو).
لتبقى مجموعة «الوجه والأثر» قصصا قصيرة جدا ذات جاذبية إبداعية تفتح أمام المتلقي آفاقا زاخرة بتنوع «تيماتها»، وعناصرها السردية من خلال ما ترومه من تجديد وتطوير .

هامش
الوجه والأثر نصوص قصيرة جدا

الكاتب: المصطفى سكم .
المطبعة: سليكي أخوين ـ طنجة 2020

اترك تعليقا