من البرامج الثقافية المُمتعة، التي كان يبثُها التلفزيون الجزائري مع بداية الانفتاح الإعلامي والثقافي ـ في بداية التسعينيات من القرن الماضي -، برنامج ” أقواس في عالم الكتب” للكاتب والروائي أمين الزاوي(1956)،وهو نسخة مُنقَّحَة من برنامج سابقٍ له موسوم ب”حبر وورق” ،بالعودة إلى برنامج “أقواس” ،كان بالفعل مُتنفَساً للمثقفين ومنبراً حوارياً للكُتَّاب العرب والجزائريين بالرغم من اختلاف المشارب الفكرية وتبايُنٍ النزعات الإيديولوجية من كاتب لآخر، فعلَى سبيل المثال لا الحصر،استضاف البرنامج الأسماء التالية: أبوالقاسم سعد الله ،محمد الأخضر السائحي ،الطاهر بن عيشة ،القاص عمار بلحسن، رشيد ميموني، من الجزائر،ومن المغرب استضافَ :المسرحي الكبير عبد الكريم برشيد ، الروائي محمد زفزاف ، الفنان التشكيلي نور الدين ماضران، والشاعر الراحل محمد الطوبي ،من تونس استضاف رئيس اتحاد الكُتاب التونسيين- سابقا -الراحل العروسي المطوي،. ومن ليبيا علي المصراتي.
-02-
هذا وقد افتتح أول عددٍ له مع الرَّاحل المؤرخ أبو القاسم سعد الله(1930-2013) ،وهكذا تتالَت حلقات البرنامج ،مَرة كل أسبوع ، كما كان أحياناً يُخصِّصُ -مُعد ومُقدم البرنامج-، ندواتٍ فكرية وأدبية ، كندوة الأمير عبد القادر أديباً وقائداً، من حلقتين ، فيما أذكر، أوندوة أخرى تَمَّ تخصيصها للأدب والثورة، ولا زلتُ أَذكر-في هذا السِّياق- استضافته للروائي الجزائري المُغتال الطاهر جاووت(1954-1993) إذْ بُثَت الحصة يوم الثلاثاء الخامس فيفري عام 1991 ،ويبدو أنهُ التسجيل الوحيد الذي اُجْريَ مع صاحب رائعة” الباحثون عن العظام” ورُبما لا تزال –هذه الحلقة وغيرها- قابعةً في أرشيف التلفزيون الجزائري لحَدِّ السَّاعة، ولم يُفرَج عنها لأسباب أو لأخرى ،ومن الغريب أن “الزَّاوي ” نفسُه وفي إحدى تصريحاته الغريبة، يقول: أنَّهُ لا يعرف الوِجهة والمصير الذي آلَت إليه حلقات البرنامج بعد بَثِها مباشرة للجمهور؟؟
-03-
في هذه الحلقة المُشار إليها التقى الروائي أمين الزاوي وَجهاً لِوجه مع الكاتب الطاهرجاووت، وقد تحدّّث هذا الأخير بأريحيَّةٍ وبلُغة عربية مُرتبكة بعض الشيء ولكنَّها واضحة ومفهومة، في استعراضِه لأهم المحطات الإبداعية التي وَسمَت مسارَه الأدبي ،فكما هو معلوم فقد بدأ “جاووت” حياته شاعراً ، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى “المدار الشائك” عام 1975 خارج الديار الجزائرية، ثم توالت كتاباته في القصص القصيرة والشعر والرواية على نحو خاص، فقد نشر أربعَ روايات في حياته، هي: المجرد من الذات(1981) والباحثون عن العظام(1984) وابتكار القفار(1987) ورواية العسس(1991) ، التي نشرها قبل عامين من رحيله عَنا بتلك الطريقة الفجائعية ، يوم الثاني من جوان عام 1993 .
-04-
في المُحصِّلة ، يُعدُ حوار أمين الزاوي مع الطاهر جاووت، حواراً جميلاً-حقاً- دام قُرابة الساعة من الزمن، ويُعدُ في ظني المرجع البصري الوحيد ، الذي يُمكِنُناَ من خلاله الاقترابَ أكثر مِن حياة رجل نذر نفسه للكلمة الصادقة والموقف الشجاع ،ودفع حياته قرباناً لهما.