قراءة في كتاب ” شاهد على مصرع أمة ” / د بكاي نور الهدى
بواسطة admin بتاريخ 23 مايو, 2025 في 11:41 صباح | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 765.

انطلاقا من العتبات النصية للمؤلَّف الاستثنائي في زمن كثرة الكتب وندرة القيمة العلمية والإنسانيَّة لما يُكتب ويُنشر في كل مضْرب من مضارِب الأمَّة الإسلاميَّة عامَّة والأمَة العربيَّة خاصّة، هذه الأخيرة التي لم يبق منها غير التسميَّة مع ذوبان المسمى في غيهب العولمة وسيطرة الآخر بكلِّه على ساحة الكون سياسيا وعسكريا واقتصاديا وحضاريا وحتى ثقافيا، يأتي – شاهد على مصرع أمَّة- كجملة اعتراضية لما قيل قبلها، وحاجز أمنيٍّ للعقل البشري الإسلامي الذي لعب في إعداداته مخطَّطات شيطانيَّة بأيادي بشرية وتنفيذ سري لا يستعجل النتائج على مر العصور، حتى صار بالفكر الذي هو عليه اليوم تحت قيادة آل سعود ورضوخ البقية في صمت قاتل، جاء هذا الكتاب كاشفا لما خفي بين سطور التاريخ الإسلامي العربي من حقيقة الحرب على الإسلام كهدف منشود لكلًّ من تجاوزت قوته وحضارته الفتوحات الإسلامية بقيادة قائد خير أمَّة أخرجت للنَّاس ومعلمها ومؤسس حضارتها ونافض غبار الجاهليَّة الأولى محمد بن عبد الله صَّلى الله عليه وسلم، فلم تقم لها قائمة بعد سيطرة نور الإسلام على زمام الأمور لقرون تجاوزت الثمانية، حتى نخرَ عدو هذه الأمَّة عصبة أمرها بزعزعة المنهج الرباني التوحيدي للبشرية بغرس الدسائس الفكرية في تسيير شؤون الحكم منذ سقوط الدولة العباسية واندثار الحضارة الأندلسية بضرب مبادئها والتأثير على ثقافتها، وصولا إلى حملة نابليون بونابرت على مصر، حيث كانت خط المنعرج الذي أدخل الفكر الإسلامي في عهد حضاري جديد واجهته التجديد والتماشي مع تطورات العصر الصناعية والإنسانية، ومضمونه هدم أساسات هذا الدِّين الرباني المُحمَدي وفق منهجية مدروسة بكل حذر ودقة، آلياتها الإعلام والفكر المادي، ومنهجها الفلسفة العبثية التي تقف وراء كل هذا الخراب العقائدي والمعيشي فهدفها تحويل العالم ليس إلى قرية صغيرة بل إلى ملهى صغير يمتزج فيه الحق والباطل على آنية التحضُّر الوهمي.

انطلق الكاتب من النهاية التي نعيشها اليوم (الشريحة الإلكترونية المُتَحَكَّم فيها وفيك وفينا من الغرف المظلمة) كما ذكر في مدخل كتابه ليشرح التحولات التي يشهدها العالم الإسلامي والعربي في مختلف المجالات والمحطَّات التي مرَّ بها، وصولا إلى فكرة العالم القرية وكل التغييرات المُعاشة واقعا، ساردا أدق الأحداث التاريخية التي كانت حجر أساس لكل ((ذلك التلاعب العميق والدقيق جدا، الذي حدث على مستوى البنية الذهنية والعقلية والمفاهيمية لإنسان اليوم)) ص:9، فعرَّف البدايات لمخطط السقوط، من صورة الصحابي ‘جعفر بن أبي طالب’ رضي الله عنه وهو يجادل النجاشي ملك الحبشة في دينه مع التعريج على ما كانت عليه قريش قبل دين محمد، إلى طينة هذا الرجل التاريخي آخر الأنبياء والمرسلين، حيث ذكر في الفصل الأول وصف القس الأمريكي الشهير ‘بوسورث سميث’ سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم بقوله: “إنَّه لأمر فريد على الإطلاق في التاريخ، أنَّ محمدا أسَّس لثلاثة أشياء: الأمَّة والإمبراطورية والدِّين”، عاكسا عظمة النبي محمد صلَّى الله عليه وسلم، إلى غاية وصف مشهد المسلم اليوم وما يعيشه في كل زوايا حياته جراء كل ما سبق التخطيط له لرسم صورة عصرية لإسلامه الحديث.

افتتح الكاتب أسامة وحيد مؤلَّفه بإهداء يلامس أصحاب القلوب المؤمنة: “إلى سيدنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم… عذرا رسول الله، خذلناك وكنَّا الخاذلين والمخذولين معاً”، وكأنَّه يعترف بأن الجميع يشارك في مصرع هذه الأمَّة ولو بصمته، ثم مقدمة مقتبسة مما قالوا في الطَّبعة الأولى لهذا الكتاب، ليدخل مباشرة في مدخل يمهِّد فيه لما سيجيب عنه في كتابه، فطرح الإشكالية بشكل مباشر: ((السؤال الذي سنجيب عنه في هذا الكتاب، ماذا حدث بالضبط لأمَّة ‘راعي’ الغنم والإبل؟ وكيف بدأت قصة السقوط؟ ومن كان كاتب الهزيمة ومُخطِّطها ومهندس إستراتيجيتها؟ الأكثر من ذلك كيف تمَّت عملية الاختراق بتلك السهولة؟ وما هي الوسائل المستعملة في إستراتيجية التدمير الذاتي، التي جعلت من أمَّة حدودها الشمس أمَّة بلا… شمس؟))، ولمحاولته كشف الحقائق عن المؤامرة القبيحة ‘مُعَوْلَمة’، قسَّم محتواه إلى ثلاثة فصول وكل فصل قسمه هو الآخر إلى محورين، جاعلا لكل محور عنوانا وهي بالترتيب التالي: 1- أم القرى وأم اليتيم كذلك، 2- الاختراق، 3- ما تبقى من الإسلام، 4- يا شيخ كلكم إخوان فأين المسلمون؟، 5- ذئاب الشرق المرصودة، 6- العالم المزرعة.

تعرَّض في مضمونه إلى كل التيارات الفكرية التي انبثقت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، مسلطا الضوء على من يقف خلف كل تيار سواء كان بالاتجاه الإسلامي، أم بالاتجاه العلماني، أو غيرها من الاتجاهات التي تتصارع في فلك هذا الكون إلاَّ أنّها تتفق عند نقطة الوصول وهي: مصرع هذه الأمَّة، وكل محطَّة مما ذكر تبقي القارئ مندهشا أمام الحقيقة وتفاصيلها الخبيثة، والمميز في كل هذا هو حرصه على ذكر مصادر معلوماته التاريخية والدينية بالتفصيل، حتى يتيح للقارئ التأكُّد من فحوى حديثه.

وفي الأخير اختتم نصَّه بتساؤل يستفز الوجدان ((هل انتبهت عزيزي القارئ، بعد إتمامك لهذه الفقرة، أنَّك شريحة؟؟ وهل انتبهت أيُّها العربي، أنَّك مُلزم بالوقوف أمام ملك ما، وليكن اسمه ‘غوغل’، لتقول له غير ناكث بعقل ولا وعي: ‘عُدنا قوما، أهل جاهلية وأهل…’شريحة’))، وكل قارئ صاحب بصيرة وغيرة على الدين الإسلام والتاريخ العربي والوحدة القومية لهذه الأمَّة، لا يصف هذا الكتاب إلى إلاَّ بالعبقريّ لسرديته العبقرية في ذكر الأحداث وتحليلها وفق ما آل إليه الوضع وتطابق الحال، فعلى كل مهتم أن يقرأ ‘شاهد على مصرع أمَّة’.

وختاما أنهي قراءتي بتساؤل على كل من له ضمير حق أن يطرحه: – لماذا مثل هذه النوعية من الكتب التي تخاطب الواقع بشرحه وتعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة لا تأخذ حقها من الدراسة والنقد؟ – لماذا يتوجه النقاد إلى الرواية والمسرح والسينما والدراما دون غيرهم من المؤلفات الجادَّة؟ -هل الرواية هي صناعة وهمية مدروسة لتشتيت الوعي البشري بصيغة أدبية؟ حتى تأخذ كل حيز الدراسات. كان على النقَّاد الذين يحملون لواء النقد والتحليل أن يخصَّوه بالدراسة والنقد حتى يكون وجهة للقراء ..

اترك تعليقا