رواية رجالي” لمليكة مقدم / حكاية الجرّة المكسورة / محمد بوزرواطة
بواسطة admin بتاريخ 18 أكتوبر, 2025 في 12:08 صباح | مصنفة في حفريات | لا تعليقات عدد المشاهدات : 60.

-01-

في طفولتها،زمنَ الثورة والحرب كانت الكاتبة الجزائرية “مليكة مقدم”(1949)، ابنة الصحراء والجنوب الجزائري ، تُحِبُ شُرب الماء بشراهة ما أدّى بها في إحدى الليالي القائظة إلى تكسير جَرّة الماء الطينية.،حينما أحسّت بالظمأ الشديد ليلاً ، وتلبّستها -حينئذٍ-الرغبة الجامحة في الإرتواء،؟.إنّ هذا الحَدث الواقعي ، يُحيلناَ بشكل رمزي إلى شخصية الكاتبة التي ستضطرُها الظروف والمحن –لاحقا- لاختيار مسارها بنفسها بإرادة قوية ، وبِتعطُش لا مثيل له ،طلباً للتعلُم والمعرفة في أحلك الظروف ووسط بيئة صحراوية شديدة القساوة، تُجبِرُ المرأة على الخنوع و الإذعان لسلطة الرجال والعشيرة ، في بداية الرواية تفتح الكاتبة سِهامها اللاذعة إلى الأب القاسي ،كناية عن مجتمع ذكوري مُهيمن، لا ينظرللمرأة أو البنت إلاّ بوصفها تابعا ، أوعنصرًا لا أهمية له قياسا بالذكور،لذا لم يكُن يتوانَ هذا الأب عن تقريع الأم بكلامه الفظَّ والقاسي،فقد التقطت مليكة وهي صبية ، جُملةً كان يتلفّظ بها كلما ،خاطب “الأم” قائلا:

- أين أبنائي؟

أَمَّا إذَا تعلَّق الأمر بالبنات السِت ، شقيقات مليكة، فإنّه يختزل كلامه مُزمْجِراً:

-”…أين بناتُكِ؟.

وهو تعبير بليغ يعكس حجم العقلية الأبوية التي سيطرت على المجتمع الجزائري المحافط في تلك السنوت الصعبة، هذا ما عَبرت عنه الكاتبة “مليكة مقدم ” بجرأة نادرة في روايتها أو سيرتها الذاتيه ، من خلال استحضار الوجوه الرجالية التي تعرفت عليها،بدءًا بالأب، وانتهاءً بصورة الرسام جان كلود الذي التقته في إحدى زيارتها إلى كندا ’ ومرورًا بشخصيات،حفرت بعمق ذاكرتها ،لقد قطعت مليكة-فيما يبدو- الحبل السُّري بشكل جذري مع المجتمع وأعرافه وتقاليده البائدة،وبالأواصر العرقية والدينية ،بداية من صيف عام 1977،حيث قررت نهائيا الرحيل بدون رجعة، مع البلد الذي نشأت فيه، لتصبح طبيبة متخصصة في أمراض الكِلَي بمونبُولييه جنوب فرنسا، فزاوجت بين الكتابة و الكشف عن عِلل الجسد الواهن وأعطاب الروح المُهترئة.

-02-

الرواية هي رصد حي واستحضار لصور ووجوه رجالية تعرفت عليها الكاتبة عن كثب ، وشغلوا حيزا كبيرا في ذاكرتها ،و شكَّلُوا محطات مهمة في حياتها،لإمرأة يافعة ،انفلتت من سلطة “القطيع” واختطّت طريقها بالكثير من العرق والجهد المتواصل ، فهي أول امرأة بمدينة “القنادسة” ، يُسمَح لها بمزاولة الدراسة بإحدى الثانويات بمدينة ” ببشار” الجنوبية، حيث تعرفت على الدكتور “شال” وقد ألهمها هذا الأخير حُبَّ المعرفة والتمتُع بمباهج الحياة، قال لها عبارة بليغة:

-”..لا بأس أن ترفعي رأسك قليلاً،عن كتبك بين الحين والآخر ،وتنظري إلى العالم من حولك” ، كما تستحضر ،وجه المُصور الفوتوغرافي “بلال” بقوة، هو الذي التقط لها صُوراً عائلية زمن الستينيات، ومن المصادفات الغريبة، أن يقوم هذا الرجل الاستثنائي بزيارتها، إلى فرنسا،بعد أن تقدم به العمر، طلباً للعلاج، بعد إصابته بفشل كَلوي، سرعان ما تُوفي بعده بسنوات قليلة، أما الأب فقد شاخ، وأصبح عُرضة للأمراض المزمنة ما دَعَا الابنة “مليكة”بتزويده بالأدوية اللازمة من فرنسا عن بُعْدٍ، لاستحالة العثور عليها في بلده الأصلي، وقد مات دون أن تراه ،لكنّ الأجْرأ في هذه السيرة الروائية هي اقامتها علاقات جسدية مع رجال ،عَبرُوُا في حياتها ،فلم تكُن ترضى –مليكة-بلذة واحدة مع رجل واحد، أو قضاء لحظاتٍ شَبقية مع شخص وحيد، بل كانت امرأة شهوانية جموح، لا يقِرُ لها رأي ،إلاّ إذا ارتبطت بأجساد الرجال ، فَوحدهم الرجال الشُقر كانوا يستهوونها،في هذا السياق تقول:

-” الآن بِتُّ مقتنعة أنّ الرجال وحدهم القادمين من أرض أخرى بوسعهم أن يساعدوني على التحرر نهائيا”، لكن المحطة التي جمعتها بالفرنسي”جان لويس.”وتقاسمت معه الفراش والأفكار في ارتباط وثيق ،دام ثلاث عشرة سنة، من الصداقة والإبحار في شواطىء العالم والتنزُه عبرالمدن الأوروبية والأمكنة، غير أنّ هذه العلاقة لم تَدم طويلا،ما جعل الكاتبة تَلِج دائرة الإنكفاء على الذات والتعلُق بالكتابة بوصفها علاجا تَطهُريًا من خيبات الأمل ولحظات الإخفاق القصوى التي انتابت حياة ومسار “مليكة مقدم “في أزهى سنوات عمرها في منفاها الفرنسي.

-03-

في الرواية يتكرر وصف “التلة” الرملية التي تستهوي الكاتبة للذهاب إليها بُغيَة التنفيس حيث تتعانق زرقة السماء مع الأفق اللامتناهي ، وهو مشهد ، مُوحٍ ينطوي على حُلم الكاتبة في الانعتاق والتحرر من ربقة التقاليد والأعراف الضاغطة.، للإشارة ظهرت الرواية في طبعتها الفرنسية عام 2005، قبل أن تجد طريقها إلى العربية عام 2007 عن دار “الفارابي” اللبنانية ، من ترجمة “نهلة بيضون”

اترك تعليقا